تحوّلت الخلافات المتزايدة بين إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، إلى العقبة الأكبر في طريق إعادة إحياء الاتفاق النووي، خصوصاً في ظلّ كثرة الملفّات والتقارير التي أصبحت في حوزة الهيئة الأمميّة، وآخرها قضيّة منشأة «فوردو»، حيث يُزعم إدخال طهران «تغييرات» على أجهزة طرد مركزي متطوّرة، للتخصيب عند نسبة 60%. ويضاف الخلاف المتقدّم خصوصاً، إلى ملفّ المواقع الإيرانية الثلاثة غير المعلَنة، فيما يستغلّ الغرب هذه الأحداث لتذكير الجمهورية الإسلامية بأن الخلافات بين الجانبَين تتعاظم، وبأن الطريق المؤدي إلى إعادة إحياء الصفقة النووية، لا يزال مسدوداً
في الوقت الذي لا يزال فيه ملفّ وجود آثار نووية في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلَنة مطروحاً على طاولة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، من دون حلّ، تحوّل الوضع في منشأة «فوردو» النووية إلى نقطة خلاف جديدة مثيرة للجدل بين الجانبَين. وكانت الهيئة الأممية قد أعلنت، بداية الشهر الجاري، أن الجمهورية الإسلامية أَدخلت تغييرات على أجهزة طرد مركزي متطوّرة من طراز «IR6» في «فوردو»، قادرة على إيصال نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهي نسبة النقاء الأقرب إلى المستوى الذي يمكّنها من تطوير سلاح نووي. ولتصنيع هذا السلاح، لا بد من تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 90%. وأنحت الوكالة باللائمة على طهران على خلفيّة التغيير الذي وصفته بـ«غير المعلَن»، بعدما «أَدخلت تعديلاً جوهريّاً على الربط بين مجموعتَين من أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة لتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60% في محطة فوردو»، من دون إخطارها بذلك مسبقاً. وبحسب هذه الهيئة، فإن مفتّشيها اكتشفوا هذه «المخالَفة» خلال عمليّة تفتيش مفاجئة للمنشأة في 21 كانون الثاني/ يناير المنصرم.
وتعقيباً على ذلك، سارعت طهران إلى اتهام مفتّشي الوكالة باجتراح «خطأ» حول منشأة «فوردو» النووية، ولا سيما أن «نتيجة عمليات التفتيش في أيّ دولة، لا تُنشر على نطاق واسع بالسرعة التي نشرت فيها حول إيران». وبحسب وکالة «إرنا» الرسمیة للأنباء، أعلن رئيس «مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية»، محمد إسلامي، أن بلاده وجّهت، أخيراً، رسالة إلى «الذرية» أشارت فيها إلى أن «أحد المفتّشين الذي أُوفد برفقة كبير ممثّلي منظومة الضمانات، وتفقّد منشآتنا، قد أخطأ وقدّم تقريراً غير صحيح. ومع ذلك، قام المدير العام للوكالة الدولية بالإعلان عن هذا التقرير عبر وسائل الإعلام». وأضاف إن «هذا السلوك غير مهني وغير مقبول، ونأمل أن لا تستمرّ هذه الممارسة من قِبَل المدير العام للوكالة، لأنها تضرّ بصدقيته ومصدقية الوكالة».
وبالتزامن، حشرت كل من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، أنفها في الخلاف بين إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وأصدرت بياناً مشتركاً أشارت فيه إلى التقرير الأخير حول «فوردو»، معتبرةً أن «التغيير غير المعلَن يتعارض مع التزامات إيران بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة التي تتطلّبها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية». ووفق البيان المشترك، فإن ما تقوله طهران من أن هذا العمل تمّ عن طريق «الخطأ»، «غير كافٍ... نحن نحكم على تصرّفات إيران بناءً على تقارير محايدة وموضوعية للوكالة الدولية للطاقة الذرية وليس على نواياها المزعومة».
وتكمن أهمية منشأة «فوردو» في أنها تقع داخل جبل بالقرب من مدينة قم في وسط البلاد، ويصل عمق أنفاقها داخل الصخور الحجرية حتى 90 متراً. وتتميّز «فوردو»، التي لم تعلن إيران عنها حتى أيلول/ سبتمبر 2009، بعد كشفها من قِبَل أجهزة الاستخبارات الغربية، بدرجة من الحساسيّة، استدعت اشتراط أطراف الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، أن تقوم طهران بوقف التخصيب في هذه المنشأة بنسبة 20%، واستخدامها لإنتاج النظائر المستدامة بالتعاون مع الدول الغربية. لكن الولايات المتحدة انسحبت، في عام 2018، إبّان عهد دونالد ترامب، من الاتفاق، وأعادت تفعيل العقوبات المجمّدة ضدّ الجمهورية الإسلامية. ومع اشتداد هذه العقوبات، خفضت طهران، بعد سنة من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، التزاماتها بموجب الاتفاق، فيما تقع أنشطتها غير المرخّصة في منشأة «فوردو»، في هذه الخانة.
ويتّخذ التصعيد بين إيران و«الوكالة الذرية»، أبعاداً أوسع يوماً بعد آخر، إذ يضاف إلى أزمة «فوردو»، إقدام إيران على تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60%، والمحدَّدة بموجب «خطّة العمل الشاملة المشتركة» بأقلّ من 4%. من جهته، تطرّق المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، مراراً، إلى الإجراء الإيراني، معتبراً أن البلد الذي ليس له أغراض عسكرية، ليس في حاجة إلى التخصب بهذا المستوى، فيما قال أمام البرلمان الأوروبي، الأسبوع الماضي، إن الجمهورية الإسلامية جمعت ما يكفي من المواد النووية لصنع العديد من الأسلحة النووية، غير أن الوصول إلى هذه المرحلة، «عملية يتطلّب إنجازها بعضاً من الوقت». ومن بين الموضوعات الخلافية الأخرى بين الطرفَين، عثور مفتّشي الوكالة على آثار مواد مشعّة في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلَنة، علماً أن الأخيرة تؤكد أنها قدَّمت «جواباً مقنعاً» للوكالة في هذا الخصوص. غير أن «الذرية» ترى أن الردّ المذكور «لا يعالج حالات الغموض»، والتي أسفرت، حتى الآن، عن إصدار ثلاثة قرارات في مجلس المحافظين تُندّد بايران، ويمكن إدراجها ضمن أسباب وصول المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي إلى طريق مسدود. من جهته، يقول غروسي إن من غير الممكن التأكد من سلمية الأنشطة النووية الإيرانية، ما لم تعطِ طهران أجوبة شفافة ومقنعة حول وجود آثار مواد مشعّة في منشآتها غير المعلَنة، وإن إحياء الاتفاق النووي يتوقّف على هذه القضيّة.
وفي ذروة التصعيد بين إيران و«الذرية»، تتّجه جميع الأنظار نحو الزيارة المرتقبة لغروسي إلى طهران، والمقرّرة في شباط الجاري. وبحسب المعلَن، فإن هذه الزيارة ستجري بهدف معالجة الخلافات بين الجانبين، غير أن تجربة الزيارات السابقة لمدير الوكالة ومساعديه إلى العاصمة الإيرانية، تؤكد أنها لم تفلح في ردم الهوة بينهما.