من الجدير بالذكر أن الوثيقة تشير إلى شراكة شاملة. وهذا يوحي إلى أنه بالإضافة إلى تلك النقاط والمواد المفتوحة والتي وقع عليها رئيسا روسيا وإيران فلاديمير بوتين ومسعود بيزيشكيان بعد مفاوضات في الكرملين، هناك العديد من العناصر غير المنشورة.

 

تشمل الشراكة الشاملة كل ما هو منصوص عليه صراحة في الوثيقة، مما يعني الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وما لم يتم ذكره.
تنص الوثيقة على التعاون الصناعي والعسكري، ومع ذلك، هناك أيضًا جوانب غير معلنة تجعل التحالف الاستراتيجي بين روسيا وإيران شاملاً حقًا.

 

العنصر الأكثر أهمية هو التعاون، وتحويل إيران إلى حليف عسكري كامل لروسيا. أمام أعيننا، يتم تشكيل كتلة عسكرية استراتيجية أوراسية من الدول القوية ذات السيادة ، والتي لا تجمع فقط بل تضاعف أيضًا إمكاناتها.
أولا وقبل كل شيء، نحن نتحدث عن "المظلة النووية" - عن الدعم النووي الروسي لإيران، في حال وجدت إيران نفسها في حالة صراع عسكري. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن نفترض أن إيران ستوفر لروسيا الفرصة لنشر قواعد عسكرية في المحيط الهندي، وبالتالي تحقيق الهدف الاستراتيجي القديم لروسيا – الوصول إلى البحار الدافئة، إلى المحيط الهندي.

ولهذا الغرض، حدثت حروب روسية تركية وروسية فارسية لا نهاية لها عبر التاريخ. واليوم، لدينا فرصة تاريخية فريدة لتحقيق هذا الهدف الجيوسياسي الأكثر أهمية – التكامل على طول خط الطول، على طول محور شمال - جنوب. يمكن القيام بذلك دون حروب وعدوان واستعمار وخسارة أرواح بشرية، بل من خلال التحالف والصداقة.

يلعب ممر النقل بين الشمال والجنوب دورًا حيويًا، من ناحية يربط إيران بالأراضي الشاسعة في شمال شرق أوراسيا، ومن ناحية أخرى يفتح الفرص أمام روسيا لتصدير واستيراد سلع مختلفة، والحصول على أدوات وأنظمة عالية التقنية ذات أهمية استراتيجية من خلال إيران. وقد عززت الدولتان، اللتان تخضعان للعقوبات الغربية، مواقفهما. إن مضاعفة الإمكانات ترفع الكتلة الروسية الإيرانية إلى مستوى جديد، وتحولها إلى قوة عالمية قوية. ونظراً لنفوذ إيران على العالم الشيعي (العراق، وسوريا، وحزب الله، والشيعة)، فإن تحالفاً روسياً شيعياً يتشكل، مما يوسع منطقة الإمكانات الاستراتيجية.

إن إبرام المعاهدة هو خطوة في الوقت المناسب عشية تنصيب ترامب. وسيتعين على روسيا الدخول في حوار، وربما التوصل إلى بعض الاتفاقيات مع الإدارة الأمريكية الجديدة. ومن أجل الاستعداد الكامل، كان من المهم إيجاد طرق لتعزيز إمكاناتنا بشكل كبير.

الصين شريك وصديق مهم لروسيا، يقدم دعمًا كبيرًا. ومع ذلك، فإن الصين قصة منفصلة، ومن غير المرجح أن توافق على شراكة استراتيجية شاملة، مما يعني توحيدًا كاملاً للإمكانات مع روسيا. ومع ذلك، فإن التحالف مع الصين هو ورقتنا الرابحة، مما يعزز موقف روسيا. ولكن يمكننا تحقيق المزيد مع إيران. المحور الروسي الشيعي قادر على تغيير الوضع الجيوسياسي بشكل جذري في العديد من المناطق.

 

عالم متعدد الأقطاب: روسيا وإيران كمثال على الأنظمة التكاملية
في المشهد السياسي الحديث، كما هو الحال في الممارسة التاريخية، يمكن للمرء أن يميز بين أنواع مختلفة من العلاقات السياسية. يمكن للسياسيين اتخاذ مواقف مختلفة – من العداوة إلى المعارضة، وكذلك كونهم قوى محايدة أو حلفاء. ولكن هناك دول وأنظمة أيديولوجية تتكامل مع بعضها البعض بشكل واضح.

ومن الأمثلة على هذا التكامل العلاقة بين روسيا وإيران. فلا توجد تناقضات بين بلدينا. فكل من روسيا وإيران تتمتعان بقيم تقليدية، فضلاً عن رفض مشترك للهيمنة الغربية والعولمة. وتشكل هذه الجوانب جوهر سياساتنا ووجهات نظرنا وسيادتنا.

إن الصين بالتأكيد شريك مهم لروسيا، ولكن مشاركتها في العولمة تخلق صعوبات معينة أمام المزيد من تطوير علاقاتنا. فالاقتصاد الصيني مندمج بشكل عميق في السوق الغربية، مما يجعل من الصعب الحديث عن التقارب مع هذا البلد بنفس الطريقة التي نتحدث بها مع إيران. أما جمهورية إيران الإسلامية فهي في وضع مختلف تماماً: فهي أقرب كثيراً إلى روسيا من حيث الجوانب الجيوسياسية والسياسية والأيديولوجية والنظرة إلى العالم.

وهكذا، في السياسة الخارجية، من الضروري أن نميز بشكل دقيق بين أمور مختلفة. فالسياسة ليست عملية خطية؛ فيها أصدقاء، ولكنها فيها أيضاً حلفاء وشركاء مؤقتون ومصالح وقيم. روسيا وإيران لديهما مصالح وقيم قريبة قدر الإمكان.

 

الكتلة العسكرية الأوراسية: الآفاق والحقائق الجيوسياسية
في سياق تشكيل الكتلة العسكرية الأوراسية الروسية الإيرانية، يثار السؤال حول مدى انقسام العالم حقًا إلى تحالفات عسكرية. في الواقع، إنه منقسم بالفعل، ولكن ليس له إسم رسمي.
هناك رأي مفاده أنه في حالة إنشاء كتلة عسكرية أوراسية في وجود حلف الناتو، فقد نواجه منافسة مستمرة بين هذه الهياكل، مما يزيد من احتمالات الصراعات والصدامات. ومع ذلك، في رأيي، كل شيء مختلف.

إن ضعف الدول المنفردة وانقسامها وعزلها لا يمكن أن يخدم إلا كاستفزاز لتحالفات وكتل أقوى، مما يدفع الأخيرة إلى الهجوم عليها وإخضاعها والسيطرة المباشرة عليها. وبالتالي، لضمان السيادة، من المهم لبعض الدول "الوحيدة" استخدام جميع الفرص المتاحة، ويبدو أن إنشاء كتلة عسكرية هو وسيلة فعالة للحفاظ عليها.

بالنسبةِ لروسيا، يمكن تلبية الحاجة إلى الوصول الاستراتيجي إلى البحار الدافئة، والتي تمت مناقشتها بالفعل، من خلال مثل هذه الكتلة العسكرية. في المقابل، تحتاج إيران إلى تقنيات معينة، بما في ذلك التقنيات النووية. وفي هذا السياق، قد تصبح روسيا حليفًا مهمًا لإيران، وتوفر لها مظلة نووية، والتي قد تكون مفتاح وجود البلاد نفسها.

فضلاً عن ذلك، فإن كتلة الناتو موجودة. وربما تنقسم هذه الكتلة في المستقبل إلى أجزاء أمريكية وأوروبية.

في الوقت الحالي، تسعى دول العالم بشكل متزايد إلى إنشاء كتل عسكرية، بدلاً من حلها. ومن الأمثلة السلبية على ذلك الحل الأحادي الجانب لكتلتنا العسكرية، حلف وارسو، والذي بعده أصبح الناتو أقوى وضم العديد من البلدان التي تخلت عنها روسيا.

لذلك، كلما كانت العلاقات العسكرية الاستراتيجية أقوى وأعمق مع القوى السيادية الأخرى، كلما زادت ضمانات الاستقرار والسلام. إن الضعف والانقسام في السياسة الدولية ليسا حجة؛ بل على العكس من ذلك، يمكن أن تصبح مطمعا لقوى عسكرية سياسية أكثر قوة.

وهكذا، إذا كان هناك أحد لا يستطيع الدفاع عن نفسه في مواجهة تهديد خطير ــ ومثل هذا التهديد اليوم هو كتلة حلف الناتو الغربية ــ فإنه يصبح ضحية محتملة لنزع السيادة، وضحية للغزو والسيطرة الخارجية. وللحفاظ على الاستقلال، من الضروري إنشاء كتلة عسكرية سياسية وثيقة وشراكة مع إيران مثلا كواحدة من الخطوات لتعزيز الأمن والحفاظ على السيادة.


ألكسندر دوغين - إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

26/1/2025

المصدر: الحوار المتمدن