هكذا دخل الدبلوماسي الإيراني (المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية في لبنان) كميل باقر زاده صرح بكركي بعد غياب لعامين، فبدا كزائر يفرش سجاد وصوله أمام مستقبله، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق نيافة الكاردينال بشارة الراعي، مرفقاً بابتسامات تفتتح اللقاء قبل "طيب الكلام"، مستخدماً براعة الاختلاف النوعي مغلفة بلياقة الغرف من "الكتاب المقدس" وترنيمة "الالتقاء".
لباقة وبلاغة، وبروتوكول رقيق دقيق، وكلمات مختارة بعناية تذيب الجليد، وتستدرج "الحبور" حتى يجد محاوره نفسه ينافس جمال النقوش الدبلوماسية المنسوجة أمامه بلباقة عالية وترحيب مميز.
هكذا بدا المشهد في صالة استقبال الصرح، حيث وقف البطريرك بشارة الراعي إلى جانب ضيفه يستعرض "السجادة-الهدية" وقد مُدت أمامه، وعبارات ضيفه المقتبسة من "الكتاب المقدس" ترنم حسب الأصول "A cappella" (أي ترنيمة بدون آلات موسيقية) في كل حركة وكلمة وكل إيماءة. هنا كان الأسلوب الإيراني يجسد تلك المهارة العتيقة في المزج الفني للثقافة والدين بالسياسة، فتتحول طاولة اللقاء "وقوفاً" إلى مشغل حرير دبلوماسي، حيث يُنسج التلاقي بخيوط من الحكمة في رسالة الإمام الخامنئي حول النبي عيسى عليه السلام، ويُطرز "الموروث المشترك" بنقوش من سفر يشوع، ويمجد الله بالحق والعدل ونصرة المظلوم وإغاثة المستضعف.
"كما أكدنا على رسالتنا الدائمة والأساسية كأبناء الأنبياء وأتباع الأنبياء، وهي الرسالة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين: رسالة السلام والمحبة والإيمان والاستقرار، وقلنا إننا نتطلع إلى مثل هذه الرسالة. ولكن الواقع أن هناك قوى معادية للسلام والمحبة، متغطرسة ومستكبرة ولا تريد السلام والمحبة. وأنا تناولت مع صاحب الغبطة كيفية مواجهة هذه القوى الشريرة التي تعرقل دائماً عملية السلام في المجتمعات من خلال قراءة دينية، ونحن كمسلمين في القرآن الكريم والروايات لدينا مخزون كبير في هذا الشأن، في كيفية مواجهة الظالمين وما هي مسؤولياتنا تجاه المظلومين في العالم. واليوم، في هذا اللقاء، استشهدت ببعض ما ورد في الكتاب المقدس، عندما ورد: "أنقذ المظلوم من يد الظالم"، وفي مكان آخر يقول: "هكذا قال الرب: أجروا حقاً وعدلاً، وأنقذوا المغصوب من يد الظالم". وهذا ما يريده الكتاب المقدس: أن نكون عوناً للمظلومين. وهذا ما يطلبه الدين الإلهي. وهذا ما نقوم به كجمهورية إسلامية في المنطقة وفي العالم وفي لبنان بالتحديد."
بهذه الكلمات نسج الزائر الإيراني على "موال" مُضيفه، رسالة المحبة والإيمان المشتركة ونصرة المظلوم ومفاهيم الحق والعدل. ولا أعلم إن قالها وقوفاً خلال استعراضه والبطريرك الراعي "سجادة الحرير الإيراني" الممدودة أمامهما، أم من جلوس، إلا أنه من المؤكد أنها تضمنت كل علامات "الوقف" في الموقف الإيراني، إن لجهة التأكيد على أن الدور الإيراني في لبنان محصور بالدعم والمؤازرة، ونفي كل الدعاية التي روجت لأعوام عن تدخل إيراني لم يحصل، أو احتلال إيراني غير موجود.
وعوداً على بدء حرير السجادة المفروشة في قاعة الصرح، كان لافتاً في كافة الصور الموزعة مع خبر اللقاء، في موقع الوكالة الوطنية للإعلام، كما في المنشور الذي وضعه المستشار الثقافي الإيراني السيد كميل باقر زاده على حسابه في منصة X، أسارير الوجوه المنفرجة، كما "سماء الأفق اللبناني" اليوم، وانقشاع غيوم الغياب بعلامات البهجة الحاضرة في اللقاء، وحركات اليدين "الممدودة" في الاتجاهين.