خلقت طفرة النفط في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين رياحاً معاكسة كبيرة للمصنِّعين الإيرانيين. ومع ارتفاع قيمة صادرات النفط، ارتفعت قيمة الريال الإيراني، وكذلك الأجور الحقيقية، وغمرت السلع الأجنبية السوق الإيرانية. واستمتعت أسر الطبقة المتوسّطة بقدرتها الشرائية المكتشفة حديثاً، فاشترت مستحضرات التجميل الفرنسية والأجهزة الكورية والملابس التركية، في حين تجنّبت العلامات التجارية المحلّية. وهكذا أُصيبت إيران بحالة نموذجية من «المرض الهولندي»، إذ قوّضت الطفرة النفطية القاعدة الصناعية الإيرانية. وبالنظر إلى قوة الريال الإيراني، أدّت البرامج التي بدأها الرئيس الشعبوي محمود أحمدي نجاد لإعادة توزيع الثروة على الطبقات الدنيا في إيران إلى توسيع العجز التجاري وإحداث طفرة تضخّمية في الإسكان والخدمات. لكن تغيّرت الأمور عندما ضربت إدارة أوباما القطاع المالي وقطاع الطاقة بعقوبات شديدة في العام 2012 دفعت إيران إلى الركود.
ضربت العقوبات قطاع التصنيع الذي كان ضعيفاً بالفعل، ما عجّل بركود في الناتج الصناعي الإيراني لا يزال قائماً حتى اليوم. لكن تقلُّب الدبلوماسية الأميركية - تخفيف العقوبات بعد «الاتفاق النووي الإيراني» في العام 2015، وإعادة فرض العقوبات في ظل إدارة ترامب في العام 2017 ــ أنتج أيضاً تأثيرات متباينة على الشركات المصنِّعة الإيرانية. شَهِدَت بعض الشركات الكبرى انخفاضات كبيرة في الإنتاج، فقد أنتجت شركات صناعة السيّارات الإيرانية نحو 1.5 مليون مركبة في العام 2017، عندما كانت البلاد لا تزال تتمتع بفوائد تخفيف العقوبات، فيما أنتجت 1.2 مليون مركبة فقط في العام الماضي. وفي حالة قطاع السيّارات، قيّدت العقوبات الوصول إلى مدخلات التصنيع الرئيسة، ما قلّص كل من كمّية السيارات والشاحنات الإيرانية المنتجة سنوياً ونوعيّتها.
تحدّى مصنِّعون آخرون العقوبات من خلال الاستفادة من آثارها الاقتصادية الكلّية، بما في ذلك خفض قيمة العملة وتخلّص الواردات، ما مكّن رأس المال الإيراني المحلّي بطريقة مُفارقة من عكس آثار «المرض الهولندي». ويكشف الفحص الدقيق لقطاع الأجهزة المنزلية في إيران عن الدرجة الكبيرة التي يمكن للشركات أن تتكيَّف بها مع العقوبات، ما يخلق قيمة اقتصادية جديدة في الاقتصادات المُثقلة بالتدابير القسرية. وتتناقض أشكال التكيّف مع الرأي السائد بأن المرونة في مواجهة العقوبات تنشأ من تخصيص الاستثمار الحكومي والسياسة الصناعية من أعلى إلى أسفل. على العكس من ذلك، يبدو أن المرونة في إيران ظاهرة تأتي من أسفل إلى أعلى، ويقودها رأس المال الخاص الانتهازي. والواقع أن الكيفية التي تتكيّف بها الشركات مع العقوبات يمكن أن تؤثِّر على كل من السياسة الاقتصادية المحلّية ونظام العقوبات الدولية بطرق غير متوقّعة. واليوم، لا تتراجع صناعة الأجهزة المنزلية الإيرانية بسبب تأثيرات العقوبات على الإنتاج، بل بسبب تأثيرات الزيادة في الإنتاج على المنافسة السعرية. لا يمكن للكثير من الشركات المصنِّعة الإيرانية البقاء إلا في سوق محمية، وهذا يعني أن هذه الشركات قد تعارض بنشاط نوع تحرير السوق المتأصِّل في تخفيف العقوبات.
التصنيع المحلّي
نشأت صناعة الأجهزة المنزلية الإيرانية في خلال الموجة الأولى من التصنيع في ستينيات القرن العشرين. وبحلول منتصف السبعينيات، أصبحت علامات تجارية محلّية مثل «أرج» و«أزمايش» من العناصر الأساسية للمنازل الإيرانية، وبالنظر إلى جودتها اللائقة وميزاتها التنافسية، صُدِّرَت أيضاً إلى الأسواق الإقليمية. وبعد الثورة الإسلامية في العام 1979، أُمِّمت هذه المصانع. وبعد فترة وجيزة، منع اندلاع الحرب بين إيران والعراق المزيد من الاستثمار والتحديث، وأصبحت العلامات التجارية المحلّية الخيار منخفض السعر والجودة للمستهلكين الإيرانيين. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومع تسارع النمو الاقتصادي في إيران، دخلت العلامات التجارية الأجنبية سوقاً إيرانية مُجزَّأة بشكل متزايد، وصارت الأسر ذات الدخل المرتفع تُجهِّز منازلها من علامات تجارية مثل «بوش» الألمانية و«ديلونغي» الإيطالية. فيما أصبحت الأسر ذات الدخل المتوسّط مُخلصة للعلامات التجارية الكورية المستوردة مثل «إل جي» و«سامسونغ». واختارت الأسر ذات الدخل المنخفض العلامات التجارية الإيرانية، التي لا تستطيع أجهزتها المنافسة في الميزات، ولكنها قادرة على المنافسة في السعر. وبحلول العام 2017، أصبحت العلامات التجارية الكورية الكبرى تُهيمن على السوق الإيرانية، إذ مثّلت نحو 65% من سوق الثلاجات وحوالي 77% من مبيعات الغسّالات، وفقاً لبيانات السوق التي جمعتها «جي إف كيه». وتضخّمت حصة السوق الكورية في أعقاب تشديد العقوبات الغربية على إيران، خصوصاً بعد العام 2012، إذ تقلّصت بصمة العلامات التجارية الأوروبية في البلاد.
تغيّر كلّ شيء في العام 2018. انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وأعادت فرض العقوبات الثانوية الأميركية على إيران. وكان لسياسات «الضغط الأقصى» التي تبنّاها ترامب تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني. ومن بين التأثيرات الأولى، انخفاض حاد في قيمة الريال الإيراني إذ جمّد ترامب وصول إيران إلى احتياطياتها من النقد الأجنبي، وخنق صادرات النفط المصدر الأساسي لإيرادات إيران بالعملة الصعبة. وفي محاولة لتقنين العملة الصعبة والدفاع عن سعر الصرف الجديد، فرضت الحكومة الإيرانية حظراً على استيراد أكثر من 1,300 سلعة، بما في ذلك الأجهزة المنزلية، ما أدّى فعلياً إلى إغلاق السوق أمام العلامات التجارية الأجنبية. وحتى قبل الإجراء الحمائي الذي اتخذته السلطات الإيرانية، واجهت هذه العلامات التجارية بالفعل صعوبات في الحفاظ على عمليات مبيعاتها في إيران، إذ بدأت البنوك الدولية في قطع العلاقات مع نظيراتها الإيرانية.
أدّى الجمع بين السياسات الحمائية والعقوبات المُكثفة إلى إخراج العلامات التجارية الأجنبية من سوق الأجهزة المنزلية الإيرانية، ما نَقَضَ عقدين من اتحاد السوق. أدرك مصنّعو الأجهزة المنزلية الإيرانيون، فضلاً عن المستثمرين الانتهازيين الذين ليس لديهم خبرة في هذا القطاع، الفرصة بسرعة. لا شك أن عودة العقوبات من شأنها أن تبطئ النمو الاقتصادي في إيران، وأن يؤدّي التضخّم المرتفع إلى تآكل القوة الشرائية للأسر، ولكن الطلب على الأجهزة المنزلية - وهي ضرورية للأسر - ثابت. وفجأة أصبح ثلاثة أرباع سوق الأجهزة المنزلية الإيرانية متاحاً لتتلقّفه الأيدي، وهو ما يمثل فرصة بقيمة 12 مليار دولار.
بدأ مصنّعو الأجهزة المنزلية الإيرانيون في الاستثمار بكثافة في الطاقة الإنتاجية الجديدة. ولتلبية احتياجات المُستهلكين الإيرانيين الذين كانوا يشترون العلامات التجارية المستوردة، أضاف مصنّعو الأجهزة أيضاً ميزات جديدة. ولم يقتصر الاستثمار على اللاعبين الحاليين. فقد شهدت سوق الأجهزة المنزلية الكثير من الوافدين الجدد، ما جزّأ المشهد بشكل كبير. واليوم، هناك 140 شركة تنتج الثلاجات في إيران و100 شركة تنتج الغسّالات، وفقاً للأرقام التي جمعتها وزارة الصناعة والتعدين والتجارة. وتُهيمن الشركات المحلّية الآن على سوق الأجهزة المنزلية. لا تزال العلامات التجارية الأجنبية مُتاحة في إيران، ولكن المنتجات تصل كواردات موازية. تميل هذه الواردات إلى أن تكون أكثر تكلفة من العلامات التجارية المُنتجة محلّياً بسبب الانخفاض المستمرّ في قيمة العملة. فضلاً عن ذلك، تفتقر المنتجات المستوردة بشكل غير رسمي إلى الضمانات ودعم ما بعد البيع الذي يقدّمه المنتجون الإيرانيون الآن. سحقت هذه العوامل حصّة اللاعبين الأجانب الذين كانوا مهيمنين في الماضي. وفي العام 2022، بلغت الحصة المجمّعة لشركتيْ «إل جي» و«سامسونغ» في سوق الثلاجات في إيران 8% فقط. وشكّلت العلامتان التجاريتان الكوريتان 13% فقط من مبيعات الغسّالات.
إلى جانب تفتّت السوق الناجم عن الزيادة الهائلة في عدد مُصنّعي الأجهزة المنزلية، تُظهِر بيانات وزارة الصناعة والتعدين والتجارة أن القدرة الإنتاجية انفجرت أيضاً. أصبح قطاع الأجهزة المنزلية الآن ثاني أكبر مساهم في القيمة المضافة للتصنيع، مُتجاوزاً قطاع السيّارات فقط. وبالنسبة إلى كلّ من الثلّاجات والغسّالات، كان إجمالي حجم الإنتاج ثابتاً في الأعوام التي سبقت العام 2018. ولكن بعد انخفاض أولي في الإنتاج بسبب اضطرابات سلاسل التوريد، حفّزت صدمة العقوبات نمواً كبيراً في أحجام الإنتاج. أنتجت الشركات الإيرانية 2.7 مليون ثلاجة في العام 2022، وهو ضعف إجمالي العام 2017 البالغ 1.35 مليون. وبلغ إجمالي إنتاج الغسّالات 1.6 مليون في العام 2022، ارتفاعاً من حوالي 900 ألف في العام 2017. وأشاد المسؤولون الإيرانيون بقطاع الأجهزة المنزلية لإضافته وظائف في سوق عمل عليل.
إذا كان هناك فائز واحد في سوق الأجهزة المنزلية المجزّأة في إيران، فهو شركة «انتخاب»، التي تمثّل 40% من سوق الغسّالات و27% من سوق الثلّاجات. كانت الشركة، التي تنتج أجهزة متوسطة السعر، في وضع جيّد لتوسيع الإنتاج بعد إعادة فرض العقوبات على إيران. لعقود من الزمان، أنتجت «انتخاب» أجهزة شركة «دايو» الكورية الجنوبية بشكل مُرخَّص. وفي العام 2018، حاولت الاستحواذ على قسم الأجهزة المنزلية في «دايو» للمرّة الثانية (كانت المحاولة الأولى في العام 2010). فشلت الصفقة في النهاية، لكنها كانت علامة على طموح «انتخاب» ورغبتها في الوصول إلى ملكية فكرية قيِّمة.
كما أن «انتخاب» لديها شراكة مع «هاير»، وهي شركة صينية لتصنيع الأجهزة. هذه الشراكة هي التي وضعت «انتخاب» في وضع يسمح لها بالنمو بعد أن دفعت العقوبات أمثال «إل جي» و«سامسونغ» إلى الخروج من السوق الإيرانية. أمكن لـ«انتخاب» الاستفادة من سلسلة التوريد الصينية الخاصة بها في سعيها إلى تعزيز الإنتاج. وفي الوقت نفسه، كان منافسوها يكافحون للتحوّل بعيداً من الموردين الأوروبيين واليابانيين والكوريين، الذين توقفوا إلى حدّ كبير عن التصدير إلى إيران بسبب مخاطر العقوبات. والأمر الأكثر أهمّية هو أن «انتخاب» كانت متمرّسة، ولديها سجّل حافل في توطين سلاسل التوريد، وتمتّعت بالسيولة المالية اللازمة للاستثمار. كان هناك الكثير من الدخلاء على سوق الأجهزة المنزلية الإيرانية، لكن معظمهم افتقر إلى هذه المزايا التنافسية المهمّة. وعلى هذا النحو، لم تُحقّق أي شركة إيرانية أخرى في سوق الأجهزة المنزلية نطاقاً مماثلاً.
زيادة الإنتاج والسياسة الصناعية
في حين أن السلطات الإيرانية ربّما كانت قلقة في وقت ما من أن العقوبات قد تُعرقِل القدرة الإنتاجية لمصنّعي الأجهزة المنزلية، أدّى النمو السريع وغير المنسّق للقطاع إلى زيادة في الإنتاج بدلاً من ذلك. يُقدِّر «مركز أبحاث المجلس»، التابع للبرلمان الإيراني، أن إجمالي القدرة الإنتاجية السنوية الحالية للثلّاجات يبلغ حوالي 10.5 مليون وحدة. وفي الوقت نفسه، يقلّ الطلب المحلّي الأقصى عن 3 ملايين وحدة سنوياً. وبما أن العقوبات قيّدت الصادرات، فإن القدرة الإنتاجية غير المستخدمة الكبيرة تمثّل موارد مُهدرة.
وفي تقرير حديث عن هذا القطاع، حذّر «مركز أبحاث المجلس» من أن مصنّعي الأجهزة المنزلية الإيرانيين مُنخرطون في سباق نحو القاع: «أدّى الدخول الحرّ إلى صناعة الأجهزة المنزلية إلى الكثير من تراخيص التشغيل على مدى العقود الأخيرة. ومع ذلك، فإن حرّية الدخول هذه لم تسمح للشركات بالاستفادة من اقتصاديات الحجم. إن استغلال اقتصاديات الحجم ضروري لتحقيق إنتاج تنافسي مع توطين عالي». بعبارة أخرى، نجحت الشركات الإيرانية في زيادة الطاقة الإنتاجية في ظل العقوبات. لكن تعبئة رأس المال الخاص في ظل العقوبات تعكس نجاحاً جزئياً. في المجمل، قد تشير أحجام الإنتاج المرتفعة القياسية إلى أن سوق الأجهزة المنزلية في إيران تجاهلت الاضطرابات الناجمة عن العقوبات. لكن على مستوى الشركات، يتنافس الكثير من مُصنّعي الأجهزة المنزلية مع هوامش نقدية سلبية إذ يواجهون منافسة شديدة في سوق مجزأة. يمكن للشركات في قطاع شهد ارتفاعاً في الإنتاج أن تخسر المال تماماً مثل الشركات في قطاعات قيّدت فيها العقوبات الإنتاج أو المبيعات. وبهذه الطريقة، أصبحت زيادة الإنتاج صداعاً غير متوقَّع لصنّاع السياسات الإيرانيين.
في حين أن السياسة الصناعية في الكثير من البلدان تستلزم استخدام الإعانات لـ«حشد» رأس المال الخاص في القطاعات الاستراتيجية التي يُفتَقَد فيها الاستثمار، تكافح إيران للحفاظ على الإنفاق الحكومي بسبب ضغوط العقوبات. وفي سياق الاستثمار الحكومي فيه مقيّد بطبيعته، فإن التخصيص الفعّال للاستثمار الخاص أمر بالغ الأهمية، وينبغي للسياسة الصناعية أن تركّز على معالجة إخفاقات التنسيق في تلك القطاعات التي ينشر فيها رأس المال الخاص بشكل انتهازي. كما توضح إخفاقات التنسيق الجليّة في صناعة الأجهزة المنزلية الإيرانية كيف فشل صنّاع السياسات الاقتصادية الإيرانيون - على الرغم من الدعوات إلى إنشاء «اقتصاد مقاومة» في مواجهة العقوبات - في تسخير السياسة الصناعية لكبح جماح السلوك التكيفي لشركات القطاع الخاص وتوجيهه. وأدّى هذا الفشل أيضاً إلى خلق أنواع مختلفة من الشركات المصنِّعة المحلّية المعارضة لنوع تحرير السوق المتأصِّل في تخفيف العقوبات - على نحو يقوِّض الاعتقاد الأساسي لدى صنّاع السياسات الغربيين بأن العقوبات يمكن أن تُحفِّز تغييرات السلوك في دول مثل إيران من خلال الضغط من القاعدة إلى القمة، بما في ذلك من جماعات الضغط التجارية.
عندما ظهرت الشائعات للمرّة الأولى في العام 2021 بأن إيران قد توافق على صفقة سجناء مع الولايات المتّحدة والتي قد توصل أيضاً إلى إطلاق سراح الاحتياطيات المجمّدة المُحتفظ بها في البنوك الكورية الجنوبية، كتبت 12 شركة مصنِّعة للأجهزة المنزلية رسالة مفتوحة غير مسبوقة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، طالبة منه التأكّد من أن أي صفقة من هذا القبيل لن تؤدّي إلى إلغاء حظر الاستيراد الذي يمنع أمثال «إل جي» و«سامسونغ» من دخول السوق. عارض الموقعون «استيراد العلامات التجارية الدولية في وقت يلبّي فيه الإنتاج المحلّي الاحتياجات الكمّية والنوعية للسوق المحلّية». ومن الغريب أن رسالتهم تضمّنت اسم ريتشارد نيفيو، وهو مسؤول في إدارة أوباما. يُنظر إلى نيفيو على نطاق واسع في إيران باعتباره المهندس الرئيس لبرنامج العقوبات الأميركية، وهي السمعة التي اكتسبها بعد ترجمة كتابه «فنّ العقوبات» إلى الفارسية. ادّعت مجموعة مصنّعي الأجهزة المنزلية أن «تشبع السوق المحلّية بالعلامات التجارية الكورية واليابانية يتماشى مع أهداف ريتشارد نيفيو»، ربما لأن ذلك يؤدي إلى تخلّف قاعدة التصنيع في إيران. ومع استمرار المناقشة بشأن حظر الاستيراد، أعرب مسؤولون رئيسون، بما في ذلك عباس علي آبادي، وزير الصناعة، عن دعمهم لإلغائه، مدفوعين بالغضب العام إزاء الرسالة. وأشار علي آبادي إلى أنه «في سوق تنافسية تماماً، ليست هناك حاجة لفرض مثل هذه القيود المادية». ولكن في الوقت الحالي، تظل هذه السياسات قائمة.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان صنّاع السياسات الإيرانيون قادرين على تحويل سوق الأجهزة المنزلية المجزّأة في إيران إلى سوق تنافسية. يمكن لصنّاع السياسات إطلاق برنامج ترشيد لتعزيز قدرات الشركات المصنِّعة المحلّية وإعدادها للمنافسة مع العلامات التجارية الأجنبية، بما في ذلك في أسواق التصدير. وتشير التقييمات الأخيرة للسياسة الصناعية وقابليتها للتطبيق على التحدّيات الاقتصادية اليوم إلى القيمة المُحتملة لتدابير «السيطرة على الدخول» التي تضمن السماح للشركات المؤهّلة فقط بالعمل في القطاعات الاستراتيجية. ويشير تقرير «مركز أبحاث المجلس» إلى أن «غياب السياسات الصناعية الفعّالة في صناعة الأجهزة المنزلية أدّى إلى إصدار عدد كبير من التراخيص، التي نتج عنها الكثير من الشركات التي تعمل كمجمعات مع الحد الأدنى من التوطين». إن عدم اعتماد مثل هذه التدابير يشير إلى حدود قدرة الدولة في إيران.
في دراساتهم للمرونة الاقتصادية للاقتصادات الخاضعة للعقوبات مثل إيران وروسيا، يرى صنّاع السياسات الغربيون عن طريق الخطأ أن المرونة تأتي نتيجة للسياسات التي تنفّذها الدول المركزية التي تفتخر بسيطرة كبيرة على الاقتصاد. لم تُسقِط العقوبات الاقتصاد الإيراني. لكن مرونته، التي تركز إلى حدّ كبير على قطاع التصنيع، خُلِقَت من خلال تكيّفات على مستوى الشركات، وليس توجيهات تقودها الدولة. في إيران، دُعِمَ الناتج الاقتصادي من قِبل الشركات الانتهازية التي استغلت الظروف التي خلقتها العقوبات والسياسات الحمائية الانفعالية التي أثارتها تلك العقوبات. لكن هذه التكيّفات على مستوى الشركات وصلت إلى حدودها القصوى في الاقتصاد الإيراني الخاضع للعقوبات، ولم يتمكن صناع السياسات الإيرانيون حتى الآن من طرح سياسة صناعية مستجيبة. لا ينبغي لنا أن نتجاهل عواقب هذه التطوّرات على مفاوضات العقوبات المستقبلية، فقد أصبح قطاع حاسم من جماعات الضغط التجارية الإيرانية المستفيد غير المتوقّع من الحرب الاقتصادية العالمية.