في منتصف عام 2018 وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قرار انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات على طهران. يومها أعلن الأوروبيون بقاءهم والحفاظ على الاتفاق بمختلف مندرجاته. رغم ذلك التزمت شركاتهم بالعقوبات الأميركية، وعمل على سحب استثمارات كانت قد بدأت مع طهران، بعضها في مجال الطاقة.
سلكت واشنطن مسار "الضغوط القصوى" عبر حزم متتالية من العقوبات، استهدفت شخصيات وكيانات وشركات.
عام 2019، أقدم الأميركيون على خطوة بالغة الخطورة عندما صنفوا الحرس الثوري الاسلامي كـ "منظمة إرهابية"، وكان للأمر تبعات عدة، منها اغتيال قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني في بغداد بعد فترة وجيزة، ودعت الولايات المتحدة دول العالم إلى وضع الحرس على قائمة الارهاب.
طهران ردت باعتبار القيادة الوسطى الأميركية، المتواجدة في منطقتنا، إرهابية.
مؤخرًا، ومع اندلاع الأحداث في طهران على خلفية وفاة مهسا أميني (ظاهريًا)، وانخراط دول أوروبية والاميركيين ودول في المنطقة في تغذية أعمال شغب، تصدرت أوروبا المشهد. ردّ الفعل الايراني تمثل باستدعاء سفراء وتقديم احتجاجات، واتهامات واضحة للدول التي تؤدي أدوارًا سلبية في الداخل الايراني.
من الواضح أن الأوروبيين قد بدأوا مسارًا تصعيديًا اتجاه الجمهورية الاسلامية، وسيكون له تبعاته، وهنا نشير إلى فرضهم خلال الأيام الماضية عقوبات استهدفت شخصيات ايرانية، زعموا أنها على خلفية الأحداث الأخيرة. عقوبات استبقوها بتصويت في البرلمان الأوروبي على مشروع قرار لادراج الحرس الثوري الاسلامي، وهو جهة رسمية في ايران، على قائمة المنظمات الارهابية، وحظي القرار بتأييد الأغلبية الساحقة من أعضاء البرلمان.
مشروع القرار، يحتاج إلى آليات قانونية للعبور. عبّر جوزيف بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي عن الأمر، معتبرًا أن وضع مشروع القرار حيز التنفيذ يحتاج الى قرار قضائي، والمسألة ليست "أنا أكره فلانًا فأصنفه ارهابيًا".
رغم تصريحات بوريل الذي حاول التخفيف من حدة مشروع قرار البرلمان، يتضح أن الأوروبيين قد رضخوا لضغوط أميركية تمارس عليهم منذ سنوات في هذا الصدد، ولا يمكن فصل مشروع القرار عن مسار قد تكون بدايته ما حصل في البرلمان.
لكن إن تم تصنيف الحرس الثوري الذي يتصدر القوى التي تقاتل الارهاب العالمي، "إرهابيا"، وسلك مشروع القرار الطريق لإقراره ودخوله حيز التنفيذ، فإن هذا سيعني التالي:
- أن أوروبا رضخت للضغوط الأميركية، وأنها كمن يطلق النار على قدميه، خاصة مع تأثرها بالعقوبات التي فرضتها على روسيا مؤخرًا، وتأثر اقتصادها بها.
- أن أوروبا فقدت دور الوساطة في التفاوض النووي، وأصبحت تسير ضمن التوجهات الأميركية التي تهدف إلى تحصيل تنازلات سيادية من طهران، وهذا أمر تريده واشنطن التي تبعث برسائل إلى طهران للتفاوض.
وإن سلك القرار مساره، وفق قوانين الاتحاد الأوروبي ودخل حيز التنفيذ، فإنه سيتيح للأوروبيين إعادة فرض عقوبات على طهران من خارج "مجلس الأمن"، وهو ما يعني أن لا قيمة بعد ذلك للاتفاق النووي الذي بموجبه رفعت العقوبات الأممية عن طهران.
يبقى القول إن المبررات التي تقف خلف طرح مشروع القرار في البرلمان لا تنفصل عن حسابات سياسية واضحة، ولا علاقة لها بشرعة حقوق الانسان، كما يحاول الأوروبيون تصويرها، ويمكن القول إن مسارًا جديدًا من المواجهة قد بدأ، ولن نستبق نتائجه، فمختلف السبل السابقة التي تشبهه أثبتت فشلها.