اولًا – توصيف الحدث

في انتهاك صارخ لسيادة الدول وخرق واضح لقواعد القانون الدولي والاعراف والمواثيق الدولية، سجل السبت الموافق 26 اكتوبر/ تشرين اول 2024، 01:57 فجراً عبور طائرات حربية معادية في أجواء ريفي محافظتي درعا والسويداء في الجمهورية العربية السورية بالقرب من الحدود الاردنية – السورية وذلك بحسب شهود العيان التي انتشرت منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما تم التمهيد للعدوان بالهجوم على قواعد الدفاعات الجوية السورية في الوسط والجنوب السوري^[[1]] ، وقد اكدت صحيفة نيويورك تايمز، بأن التمهيد بدأ بقصف بطاريات دفاع جوي ورادارات في سوريا والعراق، وأفادت المعارضة السورية أنه حتى قبل العدوان، تعرضت محطة رادار كبيرة للهجوم في منطقة السويداء (جبل الدروز) جنوبي سوريا، بالقرب من الحدود مع الأردن ، وقد نفت المملكة الاردنية الهاشمية استخدام مجالها الجوي في العدوان على الجمهورية الاسلامية الايرانية.^[[2]].

ثم انتقلت الطائرات الحربية المعادية الى الاراضي العراقية ^[[3]] ، حيث نفذ عدوان صهيوامريكي الى بعد حوالي 130 كلم من الحدود العراقية – الايرانية استهدف مواقع عسكرية في طهران وخوزستان وإيلام وقد اكد مقر الدفاع الجوي في الجمهورية الاسلامية الايرانية ان تم التصدي للعدوان الصهيوامريكي على عدة نقاط عسكرية في البلاد بنجاح من قبل المنظومة الشاملة للدفاع الجوي ^[[4]] .

فيما اعلن جيش العدو الاسرائيلي استهداف 20 موقعا عسكريا في الجمهورية الاسلامية الايرانية، عبر 3 موجات متتالية ^[[5]]  بدأت الموجة الاولى  عند الساعة 02:00  فجراً باستهداف الدفاعات الجوية الايرانية وقد استمرت الهجمات لاربع ساعات حيث انتهت الموجة الثالثة والاخيرة الساعة 05:30 صباحا وقد نفذ العدوان بواسطة 100 طائرة حربية من نوع اف 35 واخرى من ضمنها الاستطلاع الشامل والتزود  بالوقود^[[6]]  اضافة الى طائرات حربية من نوع اف 16 واف 15 مهمتها التعامل مع الدفاعات الجوية في سوريا العراق واعتراض اي هجمات محتملة باتجاه الكيان المؤقت من العراق واليمن وسوريا ولبنان.

ثانياً - المستوطنون العدوان "دردلة" ضعيف ومخيب للامال

لعلا اكثر ما تم تداوله عن العدوان الصهيوامريكي على الجمهورية الاسلامية الايرانية كانت تلك التعابير والتصريحات التي تؤكد فشل الهجوم وضعفه وهذا الامر بدأ مع اللحظات الاولى على لسان المستوطنين على صفحات التواصل الاجتماعي حيث تم وصفه بمصطلح "دردلة" اي ضعيف ومخيب للامال وقد تم تناول العدوان بنوع من الاستهزاء، وقد ذهب بعضهم لالقاء اللوم على الادارة الامريكية التي وصفوها بالجبانة فيما اخرين القوا باللوم على نتنياهو وحكومته الذي اضاع فرصة ضرب المشروع النووي الايراني الذي لطالما كان يخيف الجمهور الاسرائيلي منه وانه المسيح الذي سيخلص اسرائيل من الكوارث ولكن تبين انه يستغل ذلك ليحصل على الاصوات في الانتخابات وهنا اكدوا ان نتنياهو انتهى سياسيا وذلك بعد الهجوم كما تم القاء اللوم على الجيش واجهزة الاستخبارات التي تسيطر عليها حكومة نتنياهو.

خلاصة ما تم التداول به على مواقع التواصل الاجتماعي انه عندما تكون الادارة الامريكية جدية في خطوة يمكنها الزام نتنياهو بالكامل عدم قصف مواقع نووية ومنشات نفط ، فيما تهديدات نتنياهو منذ 20 عام عن الخطط لضرب المشروع النووي الايراني كلام فارغ كانت لديه فرصة لو كان بيده الامر وكل كلامه لاهداف انتخابية ولذلك سيواجه نتنياهو انتقادات على خلفية الهجوم على ايران فالهجوم لم يكن بمستوى التوقعات والتصريحات لا من نتنياهو ولا غالانت وهرتسي هاليفي^[[7]]

هذا وقد برز الجدل في اوساط المستوطنين بعد  كشف موقع واللا عن قيام حكومة العدو بنقل رسائل لايران عبر وسطاء عن طبيعة الاهداف التي ستضربها والمعلومات التي نشرتها واشنطن بوست عن تصميم العدو لهجوم لا يستدعي رد ايراني وهو ما دفع مكتب نتنياهو لنفي هذه التقارير حيث قالوا على مواقع التواصل الاجتماعي:

•  قناة الكذابين (الحكومة) تكذب من جديد فمكتب رئيس الوزراء يقول ان ما ورد في القناة 13 والذي يفيد بأن إسرائيل "أوقفت" مهاجمة منشآت الغاز والنفط في إيران بسبب الضغوط الأمريكية، عار عن الصحة تماما، لقد اختارت إسرائيل أهداف الهجوم مسبقاً وفقاً لمصالحها الوطنية، وليس حسب الإملاءات الأميركية. هكذا كان الأمر - وهكذا سيكون.
• ما هذا الهراء انهم يتداولون صور من 2018 و 2021 لهجمات  في غزة خرجت على أنها من إيران!!! ألم يكن لديهم ما يكفي من الصور؟ انه مكتب الكاذبين إنهم محظوظون بوجود رقابة أخرى، سنظهر لك من هم الكاذبون وكانت قد اكدت قناة كان ان الصورة المعروضة على الشاشة امام وزير الامن يؤاف غالانت في مقر العمليات في تل ابيب على انها للضربات الاسرائيلية على ايران هي صورة حريق في طهران قبل سنوات، فيما اكد حدشوت بزمان ان الصور التي يتم تداولها هي لاحداث في غزة في 2018 و 2021 .
• هذا هو الشيء الذي جعل نتنياهو يرتعد من الخوف، إسرائيل كانت تحت تهديد حقيقي !!! إيران لديها سلاح نووي، إيران وجهت رسالة في الاول من اكتوبر وكانت رساله واضحة لإسرائيل سندمركم في المرة القادمة، هذه المرة اكتفينا فقط بتدمير قواعدكم العسكرية.
• اظهر استطلاع راي  لموقع "حدشوت بزمان" حول سؤال هل تصدقون تصريحات نتنياهو عن إلحاق الضرر بأيران ؟؟ جاءت النتيجة 14%  - نعم و 86% - لا

ثالثًا - الاعلام العبري العدوان لا يساهم في صيانة الردع

كان للاعلام العبري والمحركيين والمؤثرين^[[8]] تعليقات لم تخرج عن الصورة التي رسمتها مواقع التواصل الاجتماعي

• علق مراسل قناة كان "روعي كايتس" في معرض كلامه عن عن الهجوم حيث علق ساخرا "لو كنت انا خامنئي لعدة الى النوم وتحققت مما يحدث في الصباح" .
• اكدت صحيفة معاريف ان اسرائيل فقدت قدرتها على الردع في المنطقة وقد يستغرق الامر سنوات لاستعادة تفوق الردع.
• قناة كان نقلا عن وزراء في الكابينت الرد الاسرائيلي لا يتناسب مع الهجمات الايرانية.

رابعًا - النخب والسياسيين الاسرائيليين

يمكن اختصار خلاصة الصورة على لسان النخب والسياسيين والتي تؤكد ما رسمها المستوطنيين والمحركيين في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاعلام العبري وهنا ولا يمكن تجاهل انهم اغلبهم من المعارضيين ولديهم حسابات سياسية وداخلية ولكن الكل ينطلقون من اساس ان العدوان كان ضعيف ومخيب للامال ولن يساهم في صيانة الردع الاسرائيلي وانهاء الحرب الحالية لصالح اسرائيل.

• يائير لابيد زعيم المعارضة الاسرائيلية ورئيس حزب يوجد مستقبل: هنئ سلاح الجو الاسرائيلي والذي برأيه فقد أثبت مرة أخرى قدرته العملياتية على أعلى مستوى في العالم وتفوقه الجوي، إن أعداء إسرائيل يدركون هذا الصباح أن جيش الدفاع الإسرائيلي قوي وقادرعلى الهجوم بقوة والوصول إلى أي مكان ولكن أكد أن المشكلة تكمن في القرار السياسي لحكومة نتنياهو بعدم مهاجمة الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية في إيران معتبرا ذلك خاطئا، حيث كان بامكاننا ذلك، بل وكان ينبغي لنا أن نجبي من إيران ثمن باهظا.
• افيغدور ليبرمان رئيس حزب اسرائيل بيتنا: عملية القوات الجوية في إيران سلطت الضوء على القدرات الرائعة للجيش الإسرائيلي وأعلى مستويات الكفاءة المهنية لطيارينا ولكن إلى جانب هذا النجاح، لا يمكننا أن نتجاهل الواقع الصعب وحقيقة أن الإيرانيين لن يتوقفوا هنا، وسيواصلون جهودهم للحصول على أسلحة نووية وسيواصلون تحويل الأموال من بيع النفط والغاز إلى حزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية ومختلف الوكلاء.لسوء الحظ، يبدو أنه بدلاً من تحصيل الثمن الحقيقي، تكتفي الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى بالأعمال الكبرى والعلاقات العامة، شراء الصمت بدلا من القرار الواضح، لقد حان الوقت للتصرف بطريقة تعكس قوتنا وليس مجرد الحديث عنها.
• فلاديمير بلياك  عضو الكنيست: المجلس المصغر امتنع عن توجيه ضربة إستراتيجية لنظام إيران واكتفى برد يمكن استيعابه، الامر يثير الغضب ويشير الى "الفجوة العميقة" بين تصريحات أعضاء المجلس المصغر ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي توعد بها إيران وبين الواقع على الأرض ذلك التناقض والتضارب لا يحقق أهداف الحرب، فحكومة نتيناهو الفاسدة والفاشلة لا تعرف كيف تنتصر
• تامير هايمن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اشار الى التقييم الواقعي انه  يجب الا نتفاخر بالهجوم لان ايران دولة كبيرة بقدرات صاروخية مذهلة ويبدو ان الهجوم على ايران يقوم على اساس اغلاق تبادل الردود يجب تجنب حرب استنزاف مع ايران تعمل قيادتنا السياسية على تأجيجها.

خامسًا- الخلاصة والنتائج

بناء على ما تم قراءته في صفحات التواصل الاجتماعي وما ظهر في الاعلام العبري وصرح به السياسيين والقادة في الكيان المؤقت وبالرغم من ان اغلبهم معارضيين لحكومة نتنياهو ولديهم حساباتهم الانتخابية والسياسية الا انهم ينطلقون من معلومات صحيحة بان العدوان جاء ضعيفا وفاشلاومخيب للامال سيما وانه لم يحقق الهدف الاساسي الذي تطمح به كل اسرائيل التي تأمل بان ينجح ننتيناهو بسحب الادارة الامريكية الى ضرب المشروع النووي الايراني الذي على ما يبدو كان يتم الضغط لتحقيقه خلال الاسابيع الثلاثة الماضية.

ومن جهة اخرى ، يبدو ان الولايات المتحدة الامريكية كان تريد من هذا العدوان اقفال دائرة صيانة الردع الاسرائيلي واعادة صورتها وهيبتها في غرب اسيا والذي كان قد بدأته بعد يوم من السابع من اكتوبر من خلال الاستفراد بغزة وتصفية القضية الفلسطينية ولكن نتيجة لدخول جبهات الاسناد والضغط فقد تغييرت كافة الحسابات سيما بعد دخول حزب الله بقوة على الجبهة اللبنانية وشكل عامل ضغط كبير خطط امريكا حيث لم تفلح زيارات هوكشتين واضطرت الولايات المتحدة الامريكية بالنهاية الى اعطاء اسرائيل الضوء الاخضر لتنفيذ خطة اذلال حزب الله وكسره عبر قطع رؤوسه الثلاثة سلسلة القيادة وتدمير القدرات وفصل بيئته الحاضنة عنه من خلال التحضير لمرحلة لا يكون لحزب الله دور سياسي فيه او على الاقل مؤثر في الدولة ومؤسساتها. 

يلاحظ المراقب ان العدوان نفذ بجهوزية عالية واستعداد كامل من قبل القيادة المركزية الامريكية والكيان المؤقت وحددت 20 هدف بالتنسيق بين الطرفيين حيث استبعدت الاهداف النووية ومنشأت النفط لان الهدف صيانة الردع وليس التصعيد وجر الامور الى الحرب الشاملة ، ولكن لا يعني ذلك عدم تحقيق الاهداف العسكرية التي رسمت لها لتدميرها والحاق الضرر الكامل بها سيما وانها الاهداف المحددة مرتبطة بالهجمات البالستية الايرانية على الكيان المؤقت.

ولكن بحسب التصريحات الرسمية الايرانية وصور الاقمار الصناعية فان الاضرار كانت طفيفية وذلك نتيجة قدرات الدفاع الجوية الايرانية اليت احبطت الهجمات وخفضت الضرر حتى اقل حد ممكن، كما لا يمكننا ان  نغفل الديبلوماسية الايرانية على مدى الاسابيع الماضية من خلال الجولات التي شملت دول الخليج ومصر والاردن واكدت على ما يبدو بانه اذا استخدمت اراضيها لانطلاق العدوان فان الجمهورية الاسلامية الايرانية سترد على ذلك ما دفع الولايات المتحدة الامريكية على عدم استخدام اراضي هذه الدولة والتركيز على المسار عبر سوريا والعراق الامر الذي خدم الجمهورية الاسلامية الايرانية وساعدها على التعامل مع العدوان.  

والسؤال الاخير المطروح ماذا سيحصل بعد هذا العدوان وكيف سيكون الرد الايراني، حيث تبقى الامور ضبابية في ظل دخول الادارة الامريكية في مرحلة  البطة العرجاء سيما واننا قبل اسبوعيين من نهاية الانتخابات الرئاسية التي ستحسم شكل  الادارة الامريكية الجديدة، ويجري ذلك تكثيف الحديث عن اعادة احياء المفاوضات والوصول الى تسوية بما خص الحرب الدائرة ، والثابت الوحيد ان الجمهورية الاسلامية الايرانية ان الرد عندها حتمي على اي انتهاك لسيادية ولكن اذا كان ذلك ينهي حرب الابادة في غزة والعدوان على لبنان فانها لن ترد ، كما لا يمكن اغفال الرسائل الموجهه الى الداخل الايراني بان الحرب ليست معهم بل مع النظام الايراني الذي يجري العمل على اضعافه ما يمكنم ايها الشعب الايراني من التحرك والتحرر.  

المصدر: علي جمال الدين بظت - مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير