لم يتبقَّ سوى شهرين تقريباً على بدء إدارة دونالد ترامب مهمّات عملها، فيما السؤال الرئيسي الذي يُطرح، هو: أيُّ مسارٍ تسلكه التطوّرات في المنطقة، خلال هذه المدّة؟ وهل يتّسع نطاق الحرب، وتسود قواعد «الميدان»، أم أنه سيكون هناك حراك سياسي يكبح جماح التصعيد؟ كما يُطرح تساؤل عمّا إذا كانت جولة الردود المتبادلة بين إيران وإسرائيل، ستستمرّ، وإذا كانت طهران في صدد تنفيذ عملية «الوعد الصادق 3»؟

ورغم أن كبار المسؤولين الإيرانيين نادراً ما تحدّثوا، خلال الأيام الماضية، عن قرْب تنفيذ الردّ، بيدَ أن بعض القادة العسكريين ما زالوا يؤكدون حتميّته؛ إذ قال مساعد «مقر خاتم الأنبياء» التابع لـ«الحرس الثوري»، محمد جعفر أسدي، إن «عملية الوعد الصادق 3 ستكون حتماً مختلفة عن الوعد الصادق 2»، مضيفاً: «يجب ألا نسمح بأن يُطلق هو الرصاصة الأخيرة، يجب أن نضربها نحن». وممّا بدا لافتاً، حديث وكالة «تسنيم» القريبة من «الحرس»، أمس، عن أن طهران تبني نفقاً دفاعياً في وسط المدينة، بعد الضربات التي شنّتها إسرائيل على أهداف في البلاد الشهر الماضي، علماً أن النفق يقع بالقرب من وسط العاصمة، وسيربط محطّة في مترو طهران بمستشفى «الإمام الخميني»، بما يسمح بالوصول المباشر من تحت الأرض إلى المنشأة الطبية.

ومن جهة أخری، قال مصدر مطلع، في حديث إلى «الأخبار»، إن «زيارة مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، الإثنين، إلى طهران، لها علاقة مباشرة بالصراع بين الأخيرة وإسرائيل، والذي بات العراق جزءاً منه لسببين: الأول، استخدام إسرائيل الأراضي العراقية لشنّ هجمات على إيران؛ والثاني، الضربات التي تنفّذها المقاومة العراقية بالصواريخ والمُسيّرات ضد إسرائيل». وبحسب المصدر المذكور، فإن «مستشار الأمن القومي العراقي لم يكن يريد أن يتحوّل العراق إلى منطقة عازلة للصراع»، وإن «التسريبات الإسرائيلية الأخيرة عن أن إيران تتهيّأ لشنّ هجوم على إسرائيل انطلاقاً من الأراضي العراقية، ضاعفت من إدراك التهديد لدى السلطات العراقية». وتابع المصدر المطلع: «دعا قاسم الأعرجي، خلال لقائه قائد فيلق القدس العميد قاآني، إلى ممارسة الضغط على المقاومة العراقية من أجل منعها من تنفيذ عمليات ضدّ إسرائيل. ومع ذلك، طلبت إيران من مستشار الأمن القومي العراقي أيضاً، أن يجدوا سبيلاً في ما يتعلّق باستخدام المقاتلات الاسرائيلية المجال الجوي العراقي للعدوان المحتمل على إيران».

وبالتوازي مع هذا المسار، لفتت القمة العربية الإسلامية غير العادية التي عُقدت في الرياض، أول من أمس، ومعارضة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شنّ هجوم على إيران، الاهتمام تجاهها. وفي سياق متصل، وجه النائب الأول لرئيس الجمهورية، محمد رضا عارف، دعوة إلى ولي العهد السعودي، لزيارة إيران، وذلك خلال لقائه إياه على هامش القمة العربية - الإسلامية، مؤكداً أن المسار الجديد الذي تم اتباعه في الأشهر الأخيرة لتنمية وتوسيع التواصل والتفاعل بين البلدَين، هو مسار لا رجعة فيه. ورأت الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، أن القمة، ولا سيما المواقف السعودية الصادرة خلالها، تمثّل خطوة مهمّة على طريق لجم الممارسات الإسرائيلية في المنطقة، ومعارضة توسيع دائرة الحرب، عشيّة تولّي ترامب السلطة في أميركا.

وقيّمت صحيفة «إيران» الحكومية، من جهتها، القمة، بالقول إن «جلوس إيران والدول العربية في المنطقة معاً للمساعدة في تسوية أزمة الحرب في غزة، لم يكن ممكناً سابقاً. لعلّ الكثير من اللاعبين الإقليميين المنافسين ممَّن كانوا لا يطيقون اضطلاع إيران بدور في المعادلات الإقليمية، باتوا، في ضوء ما يشهدونه من أحداث متأزمة، على قناعة بأن السبيل للتغلّب عليها، ليس ممكناً إلا عبر التشاور والمداولات وإيجاد أرضية لتطبيق الأفكار التي تقترحها طهران في شأن التعاون داخل المنطقة، والمزيد من الاستقلالية في العمل، والتصرف على مستوى صنع القرارات الإقليمية». وأضافت: «الصوت الذي سُمع من قمة الرياض، في التنديد بعدوان تل أبيب على الأراضي الإيرانية، لم يكن بمعزل عن الاصطفافات الجديدة في المنطقة، ووقوف الدول العربية إلى جانب إيران في صف واحد؛ حيث يبدو أن الولايات المتحدة وجدت فرصة أقلّ للعب دور في الشرق الأوسط، ووضعت العربية السعودية وإيران الخلافات السابقة جانباً، فيما طالب قادة الدول الأخرى بحزم، المنظمات الدولية بما فيها مجلس الأمن الدولي، بالتصدّي الجادّ لإسرائيل».

أما صحيفة «خراسان»، فأشارت إلى غياب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عن قمّة الرياض، موضحةً أن «البعض يرى أن إيران، وعلى خلفية مواقفها المختلفة تجاه فلسطين وتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، آثرت ألا تشارك على مستوى عالٍ في القمة، كما أن بعض التحليلات تذهب إلى القول إن إيران تنتظر إجراءات متبادلة من العربية السعودية، من مثل زيارة مسؤول كبير إياها، تمهيداً لتعزيز التعامل والحوار الرسمي». وتابعت: «الجهود الرامية إلى التقارب مع العربية السعودية، تلقى معارضة من بعض التيارات السياسية في إيران. ورغم الأهمية الإستراتيجية لهذا التقارب، فإن بعض تلك التيارات، لا يزال ينظر بشيء من الحذر إلى العلاقة الناشئة، على خلفية التجارب السابقة في سياق الخلافات المذهبية والسياسية. هذه المخاوف مرتبطة أيضاً بشكل ما، بالسياسة الخارجية الإيرانية تجاه إسرائيل، ودعم المجموعات الفلسطينية، والتي تُعدّ من أولويات طهران في السياسة الإقليمية، فيما تقف على طرف نقيض من الرؤية السعودية».

 

المصدر: محمد خواجوئي - الاخبار