تعقد إيران آمالاً كبيرة على تعاونها مع الصين، ولا سيما في المجال الاقتصادي، حيث الاتفاقيات الموقّعة بين الجانبَين لمدّة 25 عاماً، والتي يُنتظر أن توضع خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للصين، اليوم، موضع التنفيذ. كما يؤمل أن تضع الزيارة المتوقّع خلالها توقيع مزيد من الاتفاقيات بين البلدَين، حدّاً لـ«التوتّر» في العلاقات الإيرانية - الصينية، والذي رافق زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للسعودية، وما رافقها من بيانات منتقدة للجمهورية الإسلامية
يبدأ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اليوم الثلاثاء، زيارة رسمية للصين، تستمرّ ثلاثة أيّام، تلبيةً لدعوة نظيره الصيني، شي جين بينغ، الذي التقاه، للمرّة الأولى، في أيلول/ سبتمبر الماضي، على هامش قمّة «منظّمة شنغهاي للتعاون» في أوزبكستان. ويرافق رئيسي في زيارته، ستّة وزراء، في مقدّمهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ووزير النفط جواد أوجي، إلى جانب رئيس المصرف المركزي محمد رضا فرزين، وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري. وإلى هؤلاء، سيضمّ الوفد وزراء: الاقتصاد، الصناعة، الطرق والمواصلات والزراعة. وهي تركيبة تؤشّر إلى أن القضايا الاقتصادية ستتصدّر جدول أعمال الزيارة، التي سيتخلّلها أيضاً لقاء سيجمع الرئيس الإيراني إلى نظيره الصيني، ومحادثات بين الوفدين الرفيعَين، وتوقيع وثائق للتعاون بحضور الرئيسَين، وكذلك المشاركة في اجتماع مشترك لرجال أعمال الجانبَين، واللقاء مع الإيرانيين المقيمين في الصين، بالإضافة إلى عقْد لقاء وحوار مع مفكّرين ومثقّفين صينيين.
وشهدت العلاقات الإيرانية - الصينية، خلال السنوات الأخيرة، مزيداً من التقارب، مع اتجاه طهران، ولا سيما في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها، نحو توطيد العلاقات مع كلّ من بكين وموسكو، فيما يتحدّث المسؤولون الإيرانيون بصراحة عن ضرورة اعتماد سياسة «التوجّه شرقاً». ومن جهتها، واستكمالاً لمبادرة «الحزام والطريق»، أَخذت الصين تتّجه نحو توسيع علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط، بما فيها إيران. على أن التعاون الاقتصادي يشكّل الحجر الأساس في العلاقات بينهما، إذ وقّع البلدان، قبل نحو عامين، اتفاقية للتعاون (الشراكة الاستراتيجية الشاملة) مدّتها 25 عاماً. وتتمثّل الأرضية الاقتصادية لهذه الاتفاقية، في تصدير النفط الإيراني بسعر أرخص، لتوفير الوقود اللازم للاقتصاد الصيني، في مقابل استثمارات صينية في إيران بقيمة 400 مليار دولار، في قطاعَي الطاقة والتكنولوجيات الحديثة، وقطاعات أخرى، بما فيها: الاتصالات، الموانئ، السكك الحديد، الصحة والعلاج. ومن شأن الاتفاقية المُشار إليها أن تُسهم في النهوض بدور إيران وموقعها في الخطّة الاقتصادية الضخمة للصين، والمعروفة بـ«مبادرة الحزام والطريق» على مدى 25 عاماً. وهي تتضمّن أيضاً، تعزيز التعاون العسكري بين البلدَين، بما في ذلك إجراء مناورات مشتركة ومشاركة المعطيات الأمنية. وتفيد الأرقام التي نشرتها الجمارك الصينية، بأن حجم التبادل التجاري بين طهران وبكين، لعام 2022، شهد نموّاً نسبته 7%، مقارنة بالعام الذي سبقه، ليصل إلى أكثر من 15 مليار دولار. وجاء هذا الارتفاع بعد تراجُع بنحو 1% في عام 2021، فيما لا يزال الميزان التجاري للبلدَين في عام 2022، لمصلحة الصين بنحو 3 مليارات دولار.
وأصبحت العلاقات الاقتصادية مع الصين، بوصفها أحد المنافذ الحيوية، تكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى إيران التي تخضع لأشدّ العقوبات الغربية، فيما بات إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها في مهبّ الريح. وتُعدّ الصين بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، المتنفَّس في خضمّ الاختناق الناجم عن الحصار، فضلاً عن أن بكين كانت المشتري الرئيس للنفط الإيراني خلال هذه السنوات. وعليه، يبدو أن الهدف المحوري لرئيسي من زيارته للعاصمة الصينية، هو متابعة عملية وضْع اتفاقية الـ 25 عاماً موضع التنفيذ، وتوقيع عقود أخرى في إطارها. في هذا الإطار، لفت الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إلى أن «الصين باتت الشريك التجاري الأوّل لإيران، على رغم العقوبات المجحفة المفروضة على طهران». ووفق كنعاني، فإن بإمكان «زيارة رئيسي للصين أن توفّر الأرضيّة لتنفيذ خطّة شاملة للتعاون المشترك طويل الأمد بين البلدَين»، فضلاً عن أن «هناك وثائق واتفاقيات ستوقّع خلال الزيارة». من جانبه، أعلن نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، محمد جمشيدي، أنه سيتمّ، خلال زيارة رئيسي لبكين، الانتهاء من آليات تنفيذ الاتفاقية الشاملة بين الجمهورية الإسلامية والصين.
وتأتي زيارة الرئيس الإيراني لبكين غداة زيارة الرئيس الصيني لمنطقة الخليج، قبل شهرين، والتي أثارت حفيظة إيران على خلفية البيان المشترك للصين ودول «مجلس التعاون الخليجي» حول الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وقبل ذلك، كان البيان المشترك للصين والسعودية قد طالب الجمهورية الإسلامية بـ«تجنُّب التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول»، واحترام «مبادئ حسن الجوار»، والتقيّد بـ«منظومة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية»، والتعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وعلى رغم امتعاض الجانب الإيراني من تلك المواقف، إلّا أن هذا الامتعاض تَرافق مع شيء من الحيطة والحذر وتجنّب استخدام المفردات والعبارات الحادّة. وتُظهر المواقف الأخيرة للصين واستثماراتها الواسعة في بُلدان مِن مِثل السعودية التي تُعدّ منافسةً لإيران، وبالتزامن علاقاتها الوثيقة مع هذه الأخيرة، أن «الجمهورية الشعبية» تتابع سياسة التقارب مع جميع بلدان المنطقة، واعتماد ضرْب من التوازن في سياستها الخارجية. ويمكن زيارة رئيسي للصين، أن تضع نهاية لـ«القيل والقال» الذي حصل أخيراً في العلاقات الثنائية، وأن تمثّل تثبيتاً للعلاقات المتينة بينهما.