عام 2021، توقف العالم كثيرًا أمام نقطة تحوّل استراتيجي في الشرق، أو ما يسمى Game changer، وهو  التطور غير المسبوق في العلاقات بين بكين وطهران، الذي تُرجم بـ "الاتفاقية الاستراتيجية" ومدتها 25 عامًا. لطالما كانت العلاقات بين البلدين جيدة جدًا، إلا أن الجديد في العلاقة كان انتهاء مدة الحظر المفروض من الأمم المتحدة، وهو قرار حظر بيع الأسلحة لإيران، الذي انتهى في أكتوبر تشرين الثاني من العام 2020 أي قبل موعد الاتفاقية بوقت قليل. والآن، عدا عن تنفّس إيران الاقتصادي، بات بإمكانها أن تشتري من الصين منظومات أسلحة أقل ما قيل فيها إنها "قد تغيّر موازين القوة في المنطقة".

بالطبع لم يكن متوقعًا من الغرب أن يقف متفرجًا، وكان العالم ينتظر ردة فعل الولايات المتحدة على الاتفاقية التي وقّع عليها الرئيس الصيني شي جين بينغ عندما زار طهران عام 2016، لكن لم يعرف أحدٌ حجمها حتى تسرّبت مسودتها ووصلت إلى نيويورك تايمز عام 2020، فذُهل العالم من حجم الاستثمارات الهائلة في السوق الإيراني، الممتدة في كل القطاعات الحيوية من الطاقة إلى البنية التحتية إلى الموانئ، ومن الاتصالات إلى الأمن السيبراني، بالإضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري والعسكري، وذلك في مقابل أن تمنح إيران الشركات الصينية الامتيازات، وتمدّ الصين بكل ما تحتاجه من بترول وغاز بأسعار تفضيلية لمدة 25 عامًا.

من دقّ الاسفين بين إيران والصين؟
في تلك الفترة بدأت الصحف الغربية بالحديث عن أن الغرب ليس أمامه سوى حل واحد، وهو دق إسفين بين إيران والصين، لإبعادهما من أحضان بعضهما البعض، بحيث لا يتمّ هذا التحالف. تحتاج الآن الإدارة الأمريكية إلى إغراء الصين بما يغنيها عن إيران، أو إغراء إيران بما يغنيها عن الصين، وبما أنّ الصين مسجلة على أنها الخطر الأول بالنسبة للولايات المتحدة سواء من الإدارات الديموقراطية أو الجمهورية، يمكن القول إن خيار احتواء إيران ترجَمَتْه إدارة بايدن بمحاولة إحياء الاتفاق النووي، بعدما تمّ توجيه أصابع الاتهام في نجاح هذا التحالف بين الأعداء إلى إدارة ترامب، التي فرضت العقوبات القصوى وستدفع بالطبع إلى هذا النوع من التحالفات.

أما الجهة التي حاولت فكّ هذا التحالف من خلال استمالة الصين إليها، فكانت بالطبع المملكة العربية السعودية، التي دعت الرئيس الصيني إلى ثلاث قمم خليجية بريادتها، تتضمن حجم استثمارات هائل، حاولت من خلالها التفوق على شراكة الصين مع إيران. أما دق الاسفين فكان في البيان الذي كان على الرئيس الصيني أن يوقع عليه، والذي يحتوي استفزازًا لإيران حول الجزر الإيرانية الثلاث المتنازع عليها.

في هذه اللحظة، انبرى الإعلام الخليجي إلى التحليلات التي نصّبت محمد بن سلمان بطلًا تاريخيًا ومنقذًا عربيًا استطاع أن يحدّ من العلاقات الصينية الإيرانية، فيما عُدّ إنجازًا استراتيجيًا وانتصارًا سعوديًا على طهران.

ما الذي يميّز إيران عن السعودية بالنسبة للصين؟
السعودية كما إيران لديها كل ما تحتاجه الصين عدا ثلاث:

- أمن الطاقة: 50% من احتياجات الصين للبترول تأتي من منطقة الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية، يمرّ هذا البترول من الدول الخليجية إلى خليج عمان ثم إلى المحيط الهندي ليصل إلى بحر الصين الجنوبي حيث الموانئ الصينية. تاريخيًا، دول الخليج هي دول حليفة للولايات المتحدة وإن جرت بعض الخصومات مع مملكة آل سعود بحسب اختلاف الإدارات الأمريكية، وكل الممرات المائية تلك هي مناطق خاضعة للأسطول الأمريكي، الذي بإمكانه خنق الاقتصاد الصيني من خلالها دون أن يتكلّف بطلقة واحدة. وبالتالي فإن الصين التي تستعد لهذا الخطر في ظل تصاعد العداء مع الولايات المتحدة، ستبحث عن مصادر للطاقة بعيدة عن المعسكر الغربي وقد وجدت ذلك في إيران وروسيا، فإيران تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز بعد روسيا، واحتياطات هائلة من البترول، وعبر ممرات أرضية بعيدة عن الممرات الملاحية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة.

- موقع إيران الجغرافي: طريق الحرير هو المشروع الأهم لدى الصين، تاريخيًا، كانت الإمبراطورية الصينية مهتمة كثيرًا بعلاقاتها مع الإمبراطورية الفارسية، لأنها كانت معبرًا أساسيًا نحو الإمبراطورية البيزنطية، والرومانية في أوروبا، والآن التاريخ يعيد نفسه. فالصين تحتاج إلى نقاط ارتكاز لتربط 125 دولة من خلال 6 مسارات رئيسية تربط الصين بباقي دول آسيا وأفريقيا وأوروبا، وإيران هي من أهم نقاط الارتكاز في مشروع الحزام والطريق.

- موقع إيران الاستراتيجي: موقع إيران وغناها بالبترول يزيد باعتبار أنها تتوسط أهم مركزين للطاقة التقليدية في العالم، وهما الخليج الفارسي من ناحية، ومنطقة بحر قزوين في منطقة القوقاز، وهو الأمر الذي يجعلها أيضًا بالغة الأهمية بالنسبة للصين.

السعودية تعيد النظر بعد زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين
خلال انعقاد قمة شنغهاي، التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نظيره الصيني في اجتماع ثنائي، ووجه له شي جين بينغ دعوة رسمية لزيارة بكين. وبالفعل وصل الرئيس الإيراني اليوم الثلاثاء بتاريخ 14 شباط فبراير 2023 إلى بكين في أول زيارة لرئيس إيراني على الصين منذ 20 عامًا. ووقع البلدان عدة اتفاقيات تعاون ثنائية بالإضافة إلى تعهد الرئيس الصيني على حماية حقوق إيران ومصالحها المشروعة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وهو الأمر الذي أزعج المملكة السعودية كثيرًا، فيما اعتبرته الرياض سعيًا للرئيس الصيني لدفع العلاقات بين البلدين، وتعزيز العلاقات الصينية الإيرانية. هذا الاعتبار سُمِع صداه في الإعلام الخليجي وحركة الناشطين على مواقع التواصل، الذين تحدّثوا عن إعادة النظر في زيارة الرئيس شي إلى المملكة العربية السعودية والبيانات التي لم يجفّ حبرها بعد.

تحالف استراتيجي وتكتيكي
الواقع أن التحالفات الكبيرة، لا بدّ دونها تحديات كبيرة أيضًا، فإيران لديها نقاشات داخلية حول مدى خطورة أن تنكشف البلاد أمام الصين أمنيا واقتصاديًا في حال قررت الأخيرة أن تكون قوة مسيطرة كما الولايات المتحدة، كما أن الصين لديها مخاوف بشأن خطواتها على خطٍّ رفيع بين إيران والدول العربية وتركيا، وعدوة إيران الأولى في المنطقة الكيان الإسرائيلي المؤقت. وهو الأمر الذي طرحته بعض الآراء الغربية على أنه ليس تحالف استراتيجي بل تكتيكي، وأنها شراكة مصلحة وليست شراكة انسجام وبالتالي دونها عقبات كثيرة، ولكن مهما كان من حال، من شأن زيارة الرئيس الإيراني إلى بكين أن تعزز الاتفاقية الاستراتيجية وتدفع باتجاه المواصلة في المشاريع (التكتيكية)، وفي هذا السياق، ثمة مفارقة شهيرة وضعها الروائي أوسكار وايلد تستخدم في السياسة الخارجية، وهي أن الاختلاف الوحيد بين التحالفات الأبدية والشؤون التكتيكية قصيرة المدى، هو أن الأخيرة تدوم لفترة أطول.

المصدر: زينب عقيل - الخنادق