خلقت التطوّرات المتسارعة في سوريا، وسقوط المدن السورية، الواحدة تلو الأخرى، بيد المعارضة المسلحة، حالة من القلق، وفي الوقت ذاته الغموض، في إيران. إذ يتساءل كثيرون، في طهران كما في غيرها من العواصم، عن الذي حصل ودفع الجيش السوري إلى الانسحاب من المدن، من دون أيّ مقاومة تُذكر، وتسليمها للمعارضين، فيما لا تزال السلطات الإيرانية تشدّد علی ضرورة وحدة الأراضي السورية، وتقریر مستقبل سوریا من قِبَل شعبها. وفي هذا الإطار، عقّبت وزارة الخارجية الإيرانية، أمس، على الحدث السوري، مؤكدة أن «الجمهورية الإسلامية لن تدّخر جهداً لدعم الاستقرار والهدوء في سوريا. ومن هذا المنطلق، ستواصل مشاوراتها مع جميع الأطراف المؤثرة، وخاصة الإقليمية».

وبحسب ما أفادت به وکالة الجمهوریة الإسلامیة للأنباء، نوّهت الخارجية، في بيانها، بمواقف طهران الثابتة لجهة «احترام وحدة وسلامة الأراضي والسيادة الوطنية السورية»، مؤكدةً أن «الشعب السوري هو مَن سيقرّر مستقبل بلاده، بعيداً من التدخلات المخرّبة أو الإملاءات الأجنبية». وأضافت: «تحقيق هذا الهدف يستدعي الإنهاء الفوري للمواجهات العسكرية، والحؤول دون التحرّكات الإرهابية، والبدء في حوار وطني يشمل جميع الأطراف المكوّنة للمجتمع السوري، وبالتالي تشكيل حكومة شاملة تمثّل الشعب السوري برمّته». من جهته، قال عضو «مجمع تشخيص مصلحة النظام» في إيران، القائد السابق لـ»الحرس الثوري» محسن رضائي، إن «مصير سوريا يجب أن يقرّره شعب هذا البلد. واستغلال الجهات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، لن تكون له أيّ نتائج». وتعقيباً على التقارير الواردة في شأن الاعتداء على مبنى السفارة الإيرانية في دمشق، دان الناطق باسم الخارجية الإیرانیة، إسماعیل بقائي، هذه الممارسات، مذكّراً بأن «تأمين وحماية المقارّ والبعثات الديبلوماسية والقنصلية، يشكّل أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي، والذي يجب الالتزام به على الدوام».

أما إعلامیاً، فقد طرحت صحيفة «خراسان» الأصولية، في مقالها الافتتاحي، يوم أمس، سؤالاً يُثار هذه الأيام في طهران: «لماذا لا نرسل تعزيزات إلى سوريا؟». وأجاب كاتب المقال، أمير حسين يزدان بناه، قائلاً: «إذا أرادت إيران أو سائر أعضاء محور المقاومة تقديم المساعدة لسوريا، فإن ذلك يجب أن يتمّ عبر قناة الحكومة والجيش السوريَّين. ففي أزمة داعش، دخلت إيران وسائر مجموعات المقاومة ساحات القتال بطلب رسمي من الحكومة السورية». وأضاف: «عندما يقوم الجيش بتسليم معسكراته وحتى قواعده الجوية ومقاتلاته سليمة إلى هيئة تحرير الشام، فما معنى وجود الآخرين في سوريا والدعم العسكري، وهل سيأتي ذلك بالنتيجة المنشودة؟ هذا طبعاً لا يعني الانفعال، بل إن العمل الذي بدأه الجهاز الديبلوماسي منذ صباح يوم الجمعة، يجب أن يستمرّ بقوّة». 

وتطرّقت الصحيفة إلى العلاقة بين التطورات الأخيرة في سوريا، وجبهة المقاومة، مشيرةً إلى أنه «مع رحيل الأسد وتغيّر النظام السياسي في سوريا، سيخسر محور المقاومة، بناءً على المعطيات الحالية، داعماً مهمّاً ومؤثّراً وقطاعاً استراتيجيّاً لمقر إسناده وقيادته. لكن، ومع تغيّر النظام السوري، فإن الدنيا لن تنتهي. إن المقاومة ليست مجموعة عسكرية بحتة، بل إن مكانتها وموقعها ليسا في الثكنات والمعسكرات، بل في أذهان الناس ووجدانهم».

من جهتها، نقلت صحيفة «اعتماد» عن الأستاذ المتقاعد والبارز في جامعة جنوب ألاباما، نادر انتصار، قوله إن «الهدف الرئيسيّ من هذه التغييرات هو إضعاف إيران بوصفها لاعباً إقليمياً. إن اسرائيل تسعى إلى إضعاف محور المقاومة، وإدخال تغييرات في جبهة المقاومة، ولا تعدّ هذا الإضعاف نصراً كاملاً إلا إذا تمّ تهميش إيران، وتحويلها إلى بلد ضعيف لا حول له ولا قوة». وأضاف أن «إيران تسعى إلى الإفادة من جميع أدواتها المتاحة، لكن يبدو أنها لم تستطع إقناع الدول المعارضة لها، ولا سيما تركيا، بتجنّب إثارة التصعيد. إن تركيا تستغلّ، في الوقت الراهن، الفراغات الحاصلة في سوريا. وطالما بقيت هذه الفراغات، فإن من الصعوبة بمكان قيام تعاون بين إيران وتركيا. إن هذه الحالة تمثّل فرصة بالنسبة إلى تركيا، لتزيد من الضغط الاستراتيجي على إيران».

وتتصاعد، في الوقت ذاته، أصوات في إيران، تطالب بأن تستعدّ الأخيرة للظروف الجديدة في سوريا، وأن تعتمد توجّهاً براغماتياً وغير أيديولوجي تجاه التغيّرات في سوريا. وفي هذا الجانب، كتبت صحيفة «شرق»، في مقال لأستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، كيومرث أشتريان، أن «المعارضين السوريين الذين أمسكوا اليوم بزمام السلطة هم نسخة محدّثة من السلفيين الذين حفروا ذات يوم صورة دامية عن أنفسهم في الذاكرة. إن هؤلاء مثلهم مثل طالبان في أفغانستان، قاموا بتزويق وجههم. إن إيران استطاعت، في ظلّ الاحتواء والتدابير الخفية، التعاطي مع طالبان، وحوّلت التهديد إلى فرصة. ومع أن المعارضين السوريين يختلفون في ذلك، إلا أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه: هل ستنبثق طاقة اللعب البراغماتي لإيران من جديد؟».

وقد رأت صحيفة «إيران» الحكومية، بدورها، أن الأزمة الاقتصادية في سوريا سبب مؤثر في الاضطرابات والتدهور الأمني في هذا البلد، قائلةً إن «الشعور بتراجع المعنويات، واليأس في سوريا أخذ يدبّ بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية في نفوس الجيش. إن الاقتصاد السوري يتقهقر منذ سنوات، وقد ضعف على خلفية الديون غير المدفوعة والعقوبات الغربية وانهيار النظام المصرفي في لبنان، والذي كان يشكّل لمدّة طويلة ملاذاً وملجأ لرجال الأعمال السوريين».

المصدر: محمد خواجوئي - الاخبار