مع بداية طوفان الأقصى، كانت الشبهة الأكثر انتشاراً والتي روّجت لها الأبواق المختلفة، أنّ المقاومة الإسلامية في فلسطين قامت بهذه العملية امتثالاً لأوامر إيران. تمّت الإشارة طبعاً آنذاك، إلى أنّ إيران لم تكن على علمٍ إطلاقاً بالعملية. طبعاً الإمام الخامنئي أشاد بالعمليّة في أكثر من خطاب، مشيراً إلى مشروعيّة هذه العمليّة، وإلى أنّها كانت خطوةً صحيحةً، لكنّه أكّد أننا لم نقم بإعطاء الأمر للفلسطينيين لكي يقوموا بهذه العملية.
حينها برزَ سؤال: «ما نوع العلاقة بين الجمهورية الإسلامية وحركات المقاومة؟ وكيف يعقل أن تقوم حماس بهذه العملية الكبيرة بدون اطّلاع إيران؟».
كما أنّ السؤال مع عدوان أيلول بقي مطروحاً بين الحين والآخر، ما نوع العلاقة بين إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان؟ متى وكيف تتدخّل إيران؟ وكذلك اليوم ومع ما حدث في سوريا أثيرت التساؤلات نفسها حول دور الجمهورية الإسلامية في دعم النظام في هذا البلد.
قبل عام، ونتيجةً للشبهات المثارة، ارتأيتُ أن أقوم بمجموعة من اللقاءات المكثّفة مع عددٍ من قادة حركات المقاومة المتواجدين في لبنان، سواء أكانوا لبنانيين بمختلف التيارات والجهات، أم فلسطينيين من مختلف الفصائل والحركات بشتّى انتماءاتها.
هؤلاء القادة الذين حاورتهم، هم الأكثر معرفةً بأسلوب العمل والتعاطي الإيرانييْن في التعامل معهم، إذ إنهم كانوا على مدى عقودٍ متواصلةٍ على تماسٍ مباشر مع الجمهورية الإسلامية، وتلمّسوا عن قرب المنهج الإيراني في التعاطي مع حركات المقاومة بسبب قربهم وتواصلهم المباشر مع الإمام الخامنئي وكبار المسؤولين في إيران. فقمت بجولةٍ خلال أسبوعين، وأجريتُ معهم مقابلاتٍ وحواراتٍ خاصةً جدّاً دون وجود الإعلام، وطرحتُ على كلٍّ منهم، سؤالاً واحداً موحّداً فقط، احتاجت إجاباتهم إلى ساعاتٍ متواصلة في بعض اللقاءات. والسؤال هو: «كيف تتعاملُ إيران معكم؟».
ما أذكره في هذا المقال، هو خلاصة وعصارة كلّ النقاط والملاحظات التي دوّنتها في تلك المقابلات، حيث حاولت أن أكوّن صورةً شاملةً وكاملةً من خلال كلام هؤلاء القادة الكبار، تحاكي النموذج الإيراني في التعامل مع الحلفاء، وهو عبارة عن عشرين مبدأ أو قيمة من القيم الحاكمة على أسلوب تعامل إيران مع حلفائها أو ما نطلق عليه عنوان «النموذج الإيراني في التعامل مع الحلفاء». طبعاً هذه العناوين تحتاج إلى توثيق، والتوثيقات موجودة في هذه اللقاءات، وقد ذكر القادة الكثير من الأمثلة التاريخيّة الدقيقة لكل عنوان، لكن حفاظاً على الاختصار من جهة، وخصوصية تلك المقابلات من جهة أخرى، سأترك التوثيقات والأمثلة التفصيلية لمجال آخر إن شاء الله.
قبل الخوض في العناوين العشرين، ينبغي الإشارة إلى أنّه سوف تتبيّن لنا فاعلية هذا النموذج أكثر عند مقارنته بالنموذج الآخر وهو النموذج الأميركي. فعندما نقوم بدراسة مقارنة بين النموذج الإيراني في التعامل مع الحلفاء والنموذج الأميركي في التعاطي مع مرتزقته، تتبيّن لنا أهمية النموذج الإيراني وفرادته وقيمته، وهو نموذجٌ يتطلّب دراسةً عميقة لترسيم صورته بشكلٍ علميٍّ وأكاديميٍّ لأنه قابلٌ للتطوير ونقل التجربة.
فيما يلي العناوين العشرون الأساسيّة أو المبادئ والقواعد الأساسية لتعامل الجمهورية الإسلامية مع حلفائها:
1- الوفاء والالتزام أمام الحليف والثبات في الموقف. فالجمهورية الإسلامية لم ولن تساوم على حساب حلفائها. وهناك أدلّةٌ كثيرة وأمثلة في تاريخ الجمهورية الإسلامية وعملها مع حركات المقاومة، لكنّ المثال الأبرز هو الموقف الثابت للجمهورية الإسلامية تجاه قضيّة فلسطين. بالإمكان القول إنّ كلّ ما عانته وتعانيه الجمهورية الإسلامية من العقوبات والحصار والعداوات خلال هذه العقود، سببه الأساس كان دعم الجمهورية الإسلامية لقضيّة فلسطين، وهذا الموقف الإيراني الثابت تجاه القضية الفلسطينية. اليوم إذا التزمت إيران الصمت فقط وتوقفت عن دعم الحركات الفلسطينية المقاومة، فسترون أنّ أبواب الخير المادي ستُفتح أمام إيران. لكنّ إيران الوفيّة لم ولن تتخلّى عن فلسطين.
2- الحفاظ على حرية الحلفاء واستقلالهم. وهي نقطة أساسية ومهمة في المنظومة العقائدية الإسلامية في الجمهورية الإسلامية. يقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]. إيران تعتقد تمام الاعتقاد بمبدأ كرامة الإنسان وتؤمن بحرية الشعوب واستقلاليتها، وبأن أبناءها أحرار في اتخاذ القرارات، وهي لا تتدخّل في قرارات حلفائها. والبعض لا يصدّق هذه الحقيقة، لأنّ المرتكز في الأذهان هو الأسلوب الأميركي في التعامل مع المرتزقة.
3- العلاقة العاطفية والقلبية. تقوم إيران ببناء علاقةٍ عاطفيّةٍ قلبيّةٍ حقيقيّة مع حلفائها. فأين تجدون دولةً تكون محبوبةً حقّاً هكذا في قلوب الشعوب الأخرى، سوى إيران وعلاقتها مع جماهير المقاومة والمستضعفين في العالم. لن تجدوا مثل هذا النموذج في أيّ مكانٍ آخر، أن يكون رؤساء بلدٍ محبوبين لدى الشعوب الأخرى بهذا الشكل. قبل أشهر، حين استشهد الرئيس الإيراني السيّد إبراهيم رئيسي، رأينا كيف تفاعلت الشعوب في المنطقة والعالم مع نبأ استشهاد الرئيس الإیراني. هذا يدلّ على وجود المحبّة الصادقة بين إيران وحلفائها. ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96].
4- التعاون والتآزر. إيران تدعم حلفاءها بناءً على هذا المبدأ القرآني: ﴿وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى﴾ [المائدة: 2]. مبدأ التعاون في الإسلام أن يكون هناك طرفٌ أصيل لديه مشروع، وطرف آخر يساعد هذا الطرف الأصيل ليقوم هو بتنفيذ مشروعه بنفسه. فالطرف الداعم لا ينفّذ المشروع عن الطرف الأصيل ولا يقوم عنه بمهمّته، وإنما يساعده على تنفيذ مشروعه. الجمهورية الإسلامية تقوم بالتعاون والمعاضدة خاصةً لمن يريد التحرّر من الهيمنة الاستكبارية. فهي تدعم هؤلاء لكي يقوموا بواجبهم، لأنّ من واجبهم السعي للتخلّص من عبودية الطاغوت، وهم يطلبون الدعم والمساعدة، فالجمهورية الإسلامية تدعمهم في أداء هذا الواجب ولا تقوم بأداء دورهم.
5- التواضع والحياء. سمعت من أكثر من شخص في هذه المقابلات أنّ إيران تدعم وتساعد وتعاون ولكنّها متواضعة، فالإيراني متواضع وخجول، لا يعمل لكي يخلق غوغاء ويتباهى، لا يعمل بصخب، بل هو يدعم دون أن يقول أيّ شيء، بل يعتبر أنّه قام بواجبه وتكليفه فقط. يذكر سماحة السيد حسن نصرالله في إحدى مقابلاته مثالاً يدلّ على أكثر من نقطة مما طرحناه أو سنطرحه:
«من الصفات المميزة جدّاً عند سماحة القائد الموضوع الأخلاقي. نحن دائماً عندما نراه، نرى بشره في وجهه وتواضعه الشديد. كل اللبنانيين الذين ذهبوا إلى إيران والتقوا بسماحة السيد القائد كانوا يعودون إلى لبنان مدهوشين من شدّة تواضع سماحته. يعني عندنا هنا في لبنان رئيس بلدية في قرية صغيرة لا يتواضع كما يتواضع سماحة السيد القائد حفظه الله، لضيوفه وللناس من حوله. المحبة والعاطفة وإحساس الآخرين بأنهم أمام أبٍ أكثر ممّا هم أمام قائدٍ أو حاكم، وإنما أمام أبٍ عطوفٍ ورحيمٍ ورؤوف. من شواهد التواضع ومن شواهد الأبوّة، أنه في كل مسائلنا، حين نطلب رأيه وموقفه، يقول هذا اقتراحي وأنتم انظروا وادرسوا. فهذا دليل تواضع ودليل أبوّةٍ ورحمة، دليل أبوّةٍ لأنه يعلّمنا كيف ننضج ونأخذ القرار، ودليل رحمة لأنه لا يريد أن يلزمنا بموقفٍ نكون محرجين في الالتزام به».
6- اجتناب المنّ. إيران تدعم وتساند وتعاون لكن بدون منّة. وأنا أذكر في أكثر من خطاب له، كان سماحة السيد الشهيد كلّما ذكر الجمهورية الإسلامية استحضر هذه الآية المباركة ﴿إِنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكورًا﴾ [الإنسان: 9]. أحياناً البعض يدعم ثمّ يقوم بهدم هذا الدعم من خلال المنّة. ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذى﴾ [البقرة: 264]. فالجمهورية الإسلامية عندما تساعد وتدعم لا تبطل مساعدتها بالمنّة.
7- الاحترام وحفظ كرامة الحليف وعزّته. إيران تحترم إرادة الشعوب، ولا تعامل حلفاءها معاملة الأتباع أو المرتزقة أو الأدوات في خدمتها. وهذا عكس ما تقوم به أميركا مع مرتزقتها.
8- الثقة. إيران تعطي الثقة الكاملة لحلفائها وتتعامل معهم على أساس الثقة. مثلاً الكثير من الملفّات المهمّة جدّاً والمؤثّرة جدّاً على الأمن القومي الإيراني، فوّض الإمام الخامنئي أمرها إلى سماحة السيد حسن، وهذا دليل ثقةٍ كبيرة.
9- النصيحة. إيران تقدّم النصح، لكنّها لا تفرض رأيها على حلفائها. بعض المشاكل التي تعاني منها بعض الدول أو التيارات الحليفة في المنطقة سببها عدم الأخذ بنصائح الجمهورية الإسلامية، وهذا دليلٌ على أنّ الجمهورية الإسلامية لا تفرض رأيها على أحد، وإنما تقدّم المشورة والنصيحة والأدلّة وتحاورهم بمنطق وعقلانية، لكن القرار عند الحليف، فهو طرفٌ مستقلٌّ والجمهورية الإسلامية لا تعدّه تابعاً أو عميلاً أو مرتزقاً. وهي بذلك تحترم حرية حلفائها وكرامتهم واستقلاليتهم. ﴿أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ﴾ [الأعراف: 68].
10- العفو والتغاضي. العفو أمام الأخطاء. ارتكب بعض الحلفاء أخطاء كبيرة جدّاً خلال السنوات الممتدّة حتى في حقّ الجمهورية الإسلامية، وفي حقّ المشروع الثوري الإسلامي في المنطقة، بناءً على سوء تقديرهم وعدم أخذهم بنصيحة الجمهورية الإسلامية، لكنّ إيران دائماً تعفو وتتغاضى عن هذه الأخطاء لدرجة أنّ بعض هؤلاء يتصوّرون أحياناً أنّ إيران لا تدرك أخطاءهم! ﴿فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسِنينَ﴾ [المائدة: 13].
11- الصدق. تتعامل الجمهورية الإسلامية مع حلفائها بكل صدقٍ وإخلاص ومحبةٍ دون أيّ خدع ومراوغة. لا تقوم إيران بخداع الحليف وإنما تقدّم الصورة كما تراها بشفافية.
12- التضحية. إيران تقدّم التضحيات الكبيرة والكثيرة، وتمارس الإيثار ونكران الذات أمام الحليف. وهي تقوم بهذا الدور في تعاملها مع حلفائها كما تقول الآية الكريمة ﴿وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]. والحديث هنا ليس فقط عن الحكومة والقيادة في الجمهورية الإسلامية، بل حتى الشعب الإيراني مستعدٌّ لتقديم التضحيات، وقد شاهدنا خلال الشهرين الماضيين الهبّة الشعبية الإيرانية تجاه المقاومة في لبنان، ونهضة النساء الإيرانيات في حملة وهب الذهب لمساعدة الشعب اللبناني.
13- عدم المطالبة. إيران تقدّم كل هذه المساعدات والدعم دون أن تطلب لنفسها شيئاً من حلفائها. في تاريخ الجمهورية الإسلامية، لم يحصل أن طلبت إيران شيئاً من الحليف لنفسها حتى عند أوقات الحاجة، حتى لا يشعر الحليف بأنّ الدعم مشروطٌ بشيءٍ في المقابل. طبعاً في كثير من الأحيان يقدم الحلفاء الدعم لإيران من تلقاء أنفسهم مشكورين، دون أن تطلبه إيران منهم. ﴿لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى الَّذي فَطَرَني﴾ [هود: 51].
14- عدم الفوقية والاستعلاء والاستكبار. ﴿وَاخفِض جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ﴾ [الشعراء: 215] إيران لا تتعامل بفوقية مع حلفائها، ولا تنظر إليهم نظرةً دونية، كما لو كانوا أقلّ شأناً منها. الحليف دائماً ما يشعر بأنّه ندٌّ للجمهورية الإسلامية، وهذا واضح حتى في بروتوكولات الجمهورية الإسلامية مع حلفائها. لاحظتم مثلاً خلال لقاءات الإمام الخامنئي مع قادة جبهة المقاومة، طريقة جلوسهم، حيث يجلسون مثل رؤساء البلدان، فهم يجلسون في الصفّ نفسه وبالمستوى نفسه مع رئيس الجمهورية عند القائد. لذلك، فإيران لا تأمر الحلفاء إطلاقاً، ونهجها ليس نهج الأمر والنهي معهم.
15- التفهّم وإدراك ظروف الحلفاء. إيران متفهّمة جدّاً لظروف حلفائها، إلى درجة أنها تمتنع عن قول ما قد يحرج هؤلاء الحلفاء، لأنها تتفهّم ظروفهم الخاصة وقيودهم واعتباراتهم.
16- عدم الرفض. إيران لا ترفض جهةً أو دولةً تقصدها وتطلب مساعدتها، ولا سيّما إن كانت هذه الجهة أو الحركة المقاومة منسجمة مع أهداف الجمهورية الإسلامية في النضال مع جبهة الاستكبار. يستحيل أن ترفض الجمهورية الإسلامية طلب هذه الجهات، بل في كثيرٍ من الأحيان تلبّي وتستجيب لهم أكثر مما يطلبون ويتصورون.
17- الحضن المفتوح الإيراني لكلّ من يودّ الالتحاق بهذا الركب. إيران لا تمنع، ولم تمنع يوماً، الجهات التي تريد الالتحاق بهذه المنظومة، أو جبهة مقاومة الاستكبار، بل حضنها مفتوحٌ باستيعابٍ وأبوّةٍ دائماً لكلّ من يودّ الالتحاق بهذه الجبهة. ﴿وَما أَنا بِطارِدِ الَّذينَ آمَنوا﴾ [هود: 29].
18- الاهتمام والرعاية، خاصةً الرعاية الأبوية والعناية الخاصة بالحلفاء ومشاكلهم، وسؤال الجمهورية الإسلامية المستمرّ لهم عن ظروفهم وحاجاتهم. وهذه لغةٌ رائجة جدّاً لدى الجمهورية الإسلامية والمسؤولين الإيرانيين في التعامل مع الحلفاء: «هل تحتاجون إلى شيء؟ نحن في الخدمة!»
19- تعزيز القوّة. إيران لا تخاف أبداً من فكرة أن يصبح حليفها قويّاً. فهناك بعض الدول التي قد تساعد بعض الحركات أو الجهات الخارجية، لكنها تضع دائماً سقفاً معيناً، هو أن لا يصبح هذا الحليف أقوى من الدولة الداعمة. إيران لا تفعل ذلك وهذا السقف غير موجود عندها أبداً، بل تعتبر قوّة حليفها قوة لها.
20- الدعم المطلق بكلّ أنواعه. وأذكر بعض أنواع الدعم هنا: الدعم المعرفي والتوعوي، الدعم الروحي والنفسي والمعنوي، الدعم الخبراتي والتجربي، الدعم التحليلي والاستشاري، الدعم اللوجستي، الدعم العلاقاتي، الدعم المعلوماتي، الدعم الشعبي، الدعم العلمي والتقني، الدعم الدبلوماسي، الدعم الثقافي، الدعم الفني والأدبي، الدعم الإعلامي، والدعم المالي والدعم العسكري والتسليحاتي. كلّ هذا الدعم تقدمه الجمهورية الإسلامية بناءً على المنظومة القيمية التي ذكرناها، فهي لا تقوم بدور هذه الحركات، وإنما تقدم كل العون والدعم لكي يقوموا هم بواجبهم وينجحوا في مشروعهم التحرري من الهيمنة الاستكبارية.
بعد عرض هذه المبادئ العشرين، لا بدّ من القول إنّ التأمل في هذه المنظومة القيمية ومبادئها كفيلٌ بالإجابة على التساؤلات والشبهات المطروحة حول معايير تعامل إيران مع حلفائها.
ختاماً، أذكر بعد فترة على إجراء هذه المقابلات، كان هناك خطابٌ لسماحة السيد حسن نصرالله في ذكرى استشهاد الحاج قاسم سليماني الرابعة وتحدّث حول هذا النموذج الفريد الذي هو من إبداعات سماحة الإمام الخامنئي وقال:
«محور المقاومة يلتقي على مفاهيم استراتيجية، على رؤية استراتيجية... ولكن كل حركة مقاومة وكل دولة في محور المقاومة حيث هي، تتصرف بقرارها. هي التي تقرر، هي التي تفتح الجبهة أو تُغلق الجبهة، هي التي تهادن أو تحارب، هي التي تتخذ هذا الموقف... لأنه كل واحد منا يعيش في بلد. في هذه الصيغة المبدعة لا يُملي أحد على أحد شيئاً ولا يأمر أحد أحداً. نتشاور، نتبادل الآراء، نتبادل النصائح نستفيد من تجارب بعضنا البعض، ولكن كل واحد يأخذ القرار في بلده بما ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية وبما ينسجم مع مصالح شعبه وبلده.
طبعاً للأسف الشديد في العالم العربي بعض الناس لا يستطيعون أن يستوعبوا هذا المشهد، ولذلك يُحللون غلطاً ويأخذون مواقف غلطاً، لماذا؟ لأنهم يبنون على معطيات خاطئة،… عندما يفتح حزب الله الجبهة في 8 تشرين إسناداً لغزة لا يقدرون أن يستوعبوا إلا أن إيران اتصلت بحزب الله وقالت له افتح الجبهة إسناداً لغزة! تعرفون لماذا؟ لأن العالم هكذا، في العالم أي دولة عندما تتبنى حركات مقاومة أو أحزاباً سياسية وتقدم لها المال والسلاح، بالتدريج بقصد أو بغير قصد ولكن بقصد من أغلب الدول، تحول هؤلاء المناضلين والمدعومين إلى أتباع، إلى أدوات يتم ابتزازهم بوقف الدعم عنهم إن لم تفعلوا كذا، ولذلك يتحولون إلى عبيد. لكن في تجربة محور المقاومة لا يوجد عبيد، لا يوجد إلا السادة... وهذا النموذج اليوم هو نموذج فريد في تاريخ البشرية... هذه المدرسة، هذا الأسلوب الإبداعي طبعاً يعود الفضل فيه بشكل أساسي إلى سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله الشريف».
* المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان
المصدر:
كميل باقر - الاخبار