كان الجميع يرقب، أمس، موقف المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في أوّل خطاب له بعد سقوط نظام بشار الأسد، ورأيه بالتطورات الحاصلة على جبهة المقاومة. وخلافاً للتشاؤم الذي ساد الساحة السیاسة الإیرانیة إثر الأحداث الأخیرة، أكّد خامنئي أن «المقاومة ستكون أقوى من الماضي»، معتبراً أن ما حدث في سوريا «خُطّط له في غرف القيادة الأميركية والإسرائيلية»، لافتاً إلى أن إيران لديها «دلائل على ذلك لا تترك مجالاً للشكّ». وأشار أيضاً إلى أن هناك «دولة جارة أدّت دوراً مكشوفاً في ما حدث في سوريا، ولا تزال تؤدّي هذا الدور، والكلّ يشاهد ذلك»، مضيفاً: «العامل الرئيسي في المؤامرة والمخطّط وغرف القيادة الرئيسية كان في أميركا والكيان الصهيوني». وقال: «أجهزتنا الاستخبارية حذّرت قبل أشهر مسؤولي سوريا ممّا يُحاك من مخطّطات العدو الذي يجب عدم الثقة بابتساماته»، معتبراً أن «ما جرى في سوريا يقدّم لنا دروساً وعبراً، من بينها الغفلة عن العدو الذي عمل سريعاً وبشكل مفاجئ». وتابع: «البعض يحاول احتلال أراضٍ من شمال سوريا وجنوبها، لكن الشباب السوري الغيور سيحرّر هذه الأراضي من دون شكّ، وسيواجه هذه الاعتداءات، وسينتصر على أعدائه. وعلى الجميع أن يعلموا أن الوضع الحالي في سوريا من اعتداءات وقصف إسرائيلي لن يبقى كذلك».

 

ورأى أن «الأميركيين طرف في هذه الحرب التي دمّرت سوريا، والتي احتلّ فيها الكيان أراضي وصولاً إلى محيط دمشق»، وأنهم «شاركوا في العدوان الإسرائيلي على سوريا بشنّ غارات قد تكون استهدفت بنى تحتية». وشدّد على أن «المقاومة تعني التصدّي للولايات المتحدة في المنطقة التي ترفض شعوبها أن يستعبدها الأميركيون»، مضيفاً أن «أميركا تحاول وضع موطئ قدم لها في المنطقة، لكنها لن تحقّق أهدافها، وجبهة المقاومة ستطرد الأميركيين من المنطقة». كما أكّد أن «قوّة المقاومة ستتّسع أكثر من السابق، وستشمل كل المنطقة»، قائلاً: «المقاومة هي المقاومة، وكلّما زادت الضغوط عليها زادت استحكاماً، وكلما زادت الجرائم ضدّها زادت مسوّغاتها»، متابعاً: «كلّما حاربوا المقاومة اتّسعت جبهتها أكثر، وأقول لكم إنها ستكون أقوى من الماضي، وستشمل كل المنطقة».
ونبّه خامنئي إلى أن «مَن يحلّل عبثاً أن ضعف المقاومة سيؤدي إلى ضعف إيران، فهو لا يعرف معنى المقاومة. أقول لكم إيران قوية ومتينة وستصبح أقوى أيضاً»، مضيفاً أن «المقاومة ستزداد قوة في المنطقة لمواجهة المؤامرات الخبيثة، ومَن يتحدّث عن ضعفها سيخسر وعليه التراجع عن موقفه». وأردف: «نقول لمن فرح بسقوط الحكومة السورية التي كانت تدعم المقاومة إنهم مخطئون، فجبهة المقاومة لن تضعف»، مؤكداً أن «جبهة المقاومة لا يمكن كسرها أو تدميرها، بل هي عبارة عن قرار قطعي وفكر وإيمان ومدرسة عقائدية».

ويأتي ذلك فيما لا تزال التطورات في سوريا ما بعد الأسد، ولا سيما الغارات الإسرائيلية الأخيرة على قواعد الجيش السوري ومنشآته، والعدوان البرّي على الجنوب السوري، تشكّل الموضوع الأول بالنسبة إلى الإعلام الإيراني، إذ سلّطت صحيفة «فرهيختكان»، في مقال لعلي مزروعي، الضوء على تلك الهجمات، معتبرةً أنها «كشفت مرّة أخرى، الطبيعة الحقيقية لهذا الكيان وعدم تقيّده بالالتزامات الدولية. إن إعلان إسرائيل رسميّاً عن عدم التزامها بالقرار الصادر عام 1974 إلى جانب الاستيلاء على أقسام من التراب السوري، مؤشر إلى الاستراتيجية المبنية لا على أساس مبادئ القانون الدولي، بل على قاعدة القوّة والهجوم». ورأت الصحيفة أن إسرائيل هي الرابح الرئيسي من سقوط الأسد، إذ إنه «منذ اندلاع الأزمة السورية، أبدت الدول الأعضاء في الناتو، إنْ علناً أو تلميحاً، دعمها للمجموعات المسلحة والإرهابية. واشتمل ذلك على الدعم المالي والتسليحي والاستخباري، وهو ما أدى فعليّاً إلى تصاعُد الاضطرابات في سوريا. وأتاحت هذه السياسة لإسرائيل المضيّ قدماً في إجراءاتها العسكرية وممارسة الاحتلال من دون رادع دولي. وفي الحقيقة، أصبحت إثارة الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، في خدمة المصالح الإستراتيحية لإسرائيل، وهو ما أظهر مرّة أخرى كيف أن السياسات الغربية ومصالح الكيان الصهيوني، باتت متشابكلة ومتداخلة في المنطقة».

 

وأشارت صحيفة «سياست روز»، من جهتها، إلى مزاعم السلطات الأميركية التي قالت إن أولويتها تتمثّل في تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا، معتبرةً أن ذلك بمنزلة «اللعب بالخيار التكراري»، إذ إن «الأميركيين كانوا قد أثاروا سابقاً مزاعم ظاهرها إنساني في شأن الأسلحة الكيميائية، مثلما أن احتلال العراق عام 2003، تمّ تحت هذه الذريعة، وفي ليبيا عام 2011، شكّلت هذه الأسلحة، جانباً من المزاعم الغربية. واللافت أنها لم تُكتشف أبداً، فيما أقرّت السلطات الأميركية في نهاية المطاف بأن مزاعمها كانت مجرّد ذرائع لتبرير الأعمال العسكرية».
أمّا صحيفة «إيران» الحكومية، فقد تطرّقت في مقال لمريم سالاري، إلى الآفاق المستقبلية للعلاقات بين إيران وسوريا، وكتبت: «السياسة الإيرانية المعلنة في شأن احترام وحدة سوريا وسيادتها الوطنية ووحدة أراضيها، والتأكيد على ضرورة أن يقرّر الشعب مصيره ومستقبل بلاده، يمكن أن تشكل فرصة لطهران لإعادة تأهيل القوى وتحديد التوجهات في الشام عن طريق التحوّل إلى جزء من المسارات الاستشارية في سوريا». وتابعت: «ليس مستبعداً أن تتيح بعض أوجه التقارب التاريخي والسياسي الناتجة من الاعتبارات المشتركة بين الجمهورية الإسلامية وبعض التيارات الإسلامية صاحبة النفوذ في سوريا، إمكانية التركيز على أوجه الاشتراك وتجاوز أوجه الافتراق على طريق مواجهة العدو المشترك، إسرائيل، وأن يؤدي ذلك إلى كسب التوجّه الإيراني في سوريا، الأغلبية النسبية ودورها البارز في الترتيبات السياسية المقبلة».

وتناولت صحيفة «جام جم»، بدورها، في مقال لمحلّل شؤون الشرق الأوسط حسن هاني زاده، السياسة الإيرانية تجاه التغيّرات في سوريا، إذ قالت إن «الذكاء السياسي لمسؤولي الجمهورية الإسلامية والتعاطي المنطقي لإيران مع الأحداث في سوريا، أدّيا إلى أن يتغيّر سلوك المجموعات المسلحة تجاه إيران، مقارنة بالماضي. إن المجموعات المسلحة في سوريا، أعطت عن طريق بعض دول المنطقة، الضمانات والتطمينات اللازمة لإيران باحترام مصالحها». وأضافت: «الجولات التي قام بها وزير خارجية الجمهورية الإسلامية على دول المنطقة، وشرحه وجهات النظر الإيرانية المنطقية والمعقولة إزاء تطورات المنطقة وسوريا، طمأنت المجموعات المسلحة في سوريا بأن إيران تدعو دائماً إلى حفظ وحدة أراضي سوريا وتماسكها الوطني. وعلى رغم أن بعض العناصر غير المنضبطين في سوريا، قاموا في إجراء استعراضي مُعدّ له مسبقاً، بمهاجمة مبنى السفارة الإيرانية، غير أن إيران نجحت من خلال التحلّي بضبط النفس والصبر والتريّث المتلازمة مع التدبر، في احتواء التصرفات العاطفية لهذه المجموعات؛ لذلك، فإن إيران أعدَّت نفسها لمرحلة ما بعد الأسد، وحدّدت الآليات اللازمة لحفظ انسجام محور المقاومة ومنع سوريا من الدخول في حروب طائفية وعرقية».
 

المصدر: محمد خواجوئي - الاخبار