مثّلت الضربة الصاروخية التي نفّذتها إيران، مساء الثلاثاء الماضي، ضد إسرائيل، تصدّياً للإرادة الإسرائيلية في تطبيق مشروع «النظام الجديد»، والذي أماطت تل أبيب اللثام عنه بعد اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، الشهيد السيّد حسن نصر الله. ويُنظر في إيران إلى الحرب الحالية على أنها حرب تدور رحاها حول النظام المستقبلي للإقليم؛ وبالتالي، فالمهمّ بالنسبة إلى طهران هو ترسيخ منجزات عملية «الوعد الصادق 2». وعليه، فإن المسؤولين الإيرانيين، بدءاً من رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان، وصولاً إلى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، اللواء محمد باقري، يؤكدون أنه في حال قيام إسرائيل بأيّ إجراء ضد طهران، ستقوم الأخيرة بردّ أقوى عليه.وقال بزشکیان، أثناه لقائه وفداً من حركة «حماس» فی الدوحة، إن «الکیان الصهیوني، وفي حالة ارتكابه أدنى خطأ آخر، فإنه سيتلقّى رداً أقسى وأقوى بكثير» من الهجوم الصاروخي الذي استهدفه. ثم بعد ذلك، شدد، خلال لقائه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، على «أننا لا يجب أن نكون غير مكترثين أمام معاناة ونزوح أهالي غزة وشعب لبنان بسبب الهجمات الوحشية للكيان الصهيوني». في المقابل، أفادت وکالة «رويترز»، نقلاً عن 3 مصادر، بأن «وزراء من دول الخليج وإيران ناقشوا في الدوحة خفض التصعيد في الصراع بين إسرائيل وإيران»، مضيفة أن «دول الخليج سعت إلى طمأنة إيران بشأن حيادها، وسط مخاوف من أن يؤدي التصعيد إلى تهديد منشآت نفط في الخليج».
رفع مستوى التهديد
ويتحدّث محلّلون ووسائل إعلام في إيران عن ضرورة الحفاظ على مستوى التهديد ضد إسرائيل وحتى رفعه، وأهمية تغيير العقيدة النووية الإيرانية بهدف منع إسرائيل من تطبيق مشروعها الرامي إلى إضعاف محور المقاومة وبلورة نظام جديد تكون هي محوره في المنطقة. ورأت صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية أن «الضربة الصاروخية الإيرانية ضد إسرائيل أدت إلى إيجاد مقاربة جديدة في المعادلات الإقليمية والتوازنات بين القوى التي تخوض الصراع»، مضيفة أن «إيران، مع استخدامها ثلاثة طرز من صواريخها البالستية والفرط صوتية، والتي لا تستغرق سوى 12 دقيقة للوصول إلى تل أبيب، تكون قد طبّقت مبدأ المفاجأة، وأظهرت أن خرافة القبة الحديدية ليست سوى مزحة أمام الجيل الجديد من الصواريخ الإيرانية، فضلاً عن أنها أرسلت رسالة من خلال الاستهداف الدقيق للمواقع العسكرية، لا البنى التحتية التي يؤدي استهدافها عادة إلى خسائر بشرية، تفيد بأنها لا ترغب في زيادة التصعيد والحرب، لكنها في الوقت ذاته قادرة على خوضها».
أما صحيفة «فرهيختكان» الأصولیة، فقد رأت أن عملية «الوعد الصادق 2» تعني إبطال فكرة «فخ زيادة التصعيد»، مضيفة أن «العملية سلكت لحدّ الآن مساراً ناجعاً وذا وقع، لكن إن كنا بصدد استمرار أثرها العملاني، فإنه يجب تقييمها بأنها عمليات غير مكتملة، إذ إن نجاحها النهائي رهن بجعل سقف التصعيد أمام إسرائيل مرتفعاً، وهي الحالة التي يطلق عليها المحللون الدوليون تسمية إثارة التصعيد من أجل إزالة التصعيد أو Esclation for de-Esclation». وتابعت: «إن كنا نريد خفض التهديدات الأمنية والعسكرية ضد بلادنا، فلا بد من الاحتفاظ بظلال الحرب فوق رأس التطورات لفترة زمنية متوسطة المدى على أقل تقدير. فإيجاد انطباعات يُستشفّ منها عدم التأثير أو الانفعال إزاء الأنشطة العملانية لبلادنا لدى الطرف الإسرائيلي، يمكن أن يضرّ بالإنجازات الباهرة لعملية الوعد الصادق 2، ويعيد الظروف إلى ما كانت عليه خلال الأشهر الأخيرة».
وكتبت صحيفة «آرمان ملي»، من جهتها، حول ردة الفعل الإيرانية التالية في حال قيام إسرائيل بعمل ما، أن «إيران استخدمت في هجومها الأخير على إسرائيل صواريخ فرط صوتية 2 و3. ولكن إذا أرادت إسرائيل القيام بمغامرة جديدة، فثمة احتمال أن تستخدم طهران صواريخ الجيلين 4 و5 من هذا الطراز، والتي تتمتع بتعقيدات أكثر، مقارنة بالصواريخ السابقة. وفي حال استخدمت هذا النوع من الصواريخ، فإنها ستضرب عمق الأراضي المحتلة، وهي تتمتّع بموقع جيد من ناحية الردع، وتمتلك إمكانات وتجهيزات قادرة على إنزال ضربات ماحقة بإسرائيل».
بدورها، رأت صحيفة «جوان» القريبة من الحرس الثوري أن «تغيير العقيدة النووية لإيران ضروري للتصدي للنظام الهدام الأكبر، إسرائيل». وكتبت أن «الإسرائيليين أطلقوا على عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، اسم عملية النظام الجديد. والنظام الجديد الذي تتحدّث عنه، يرمز إلى استخدام القوة المدمّرة الممتزجة بالتكنولوجيا. والهدف يفوق شراء الأمن البحت إلى ممارسة هيمنة قائمة على التكنولوجيا العسكرية في غرب آسيا». وأشارت الصحيفة إلى «مخاطر النظام الذي تريد إسرائيل تحقيقه»، قائلة إنه «في الوقت الذي كانت فيه العقيدة النووية الإيرانية، طوال الأعوام الخمسين ونيّف الماضية، تتمثّل في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، فإن طهران تمتلك اليوم، الإمكانات وطاقات التمهيد والفرصة اللازمة للتحوّل السريع في هذا البرنامج. وفي العالم الذي نعيش فيه، وفي ظروف الحرب المحفوفة بالمخاطر (التهديد الوجودي)، فإن الشيء الوحيد الذي يقنع الدول الـ 9 التي تملك السلاح النووي وإسرائيل بألّا تستخدم السلاح النووي، هو معرفة أن الدول الغريمة لها، تمتلك السلاح النووي أيضاً».
أما صحيفة «شرق» الإصلاحية، فقد تحدّثت «عن ضرورة تفعيل الديبلوماسية في الظروف الحالية للحيلولة دون توسّع نطاق الحرب»، وقالت «إننا في الوقت الذي لا نرغب فيه في خوض الحرب، يجب من خلال اعتماد الديبلوماسية الإقليمية والدولية الفاعلة عدم السماح لإسرائيل بوضع خطتها الرامية إلى جرّ إيران إلى حرب إقليمية، موضع التطبيق. العدوّ يسعى إلى تطبيق خطط عام 1991 بشأن العراق، على إيران عام 2024، أي أنه يسعى إلى التخطيط لحرب إقليمية تفضي لاحقاً إلى مواجهة مباشرة مع أميركا وباقي القوى. وفي النهاية، يتم في مجلس الأمن، وفقاً للقرارات، تقييد جميع الامتيازات الصاروخية والخاصة بالمسيّرات وتلك الإقليمية والعسكرية والدفاعية لإيران».