تضع الحكومة الثالثة عشرة على رأس أولوياتها التعاطي البنّاء مع العالم، لاسيما الشركاء والأصدقاء في آسيا في ظل سياسة خارجية متّزنة ودبلوماسية نشطة والتفاعل المُحنّك. إن الصين بصفتها ناشط اقتصادي ناشئ بدأت في إحداث تأثيرات واختراقات متزايده في النظام الدولي. إن مكانة الصين في التجارة والسياسة والأمن الدولي جعلت المنافسين يصلون إلى قناعة بعدم إمكانية تجاهل موضوع التعاون مع الصين والاستفادة من الطاقات التي يملكها هذا البلد.
إن الصين تعتبر الشريك التجاري الأول مع إيران ونحو 120 دولة في العالم. وبعد مضي عشرة أعوام على طرح مشروع “الحزام – الطريق” وقد تمكّنت الصين من إستقطاب إيران ونحو 150 دولة إلى هذا المشروع.
إن الصين بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، تلعب دوراً مهماً في منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة وتمكّنت من اتخاذ وتعزيز التدابير المتعددة الجوانب على مستوى المنطقة والتقارب وتأمين المصالح المشتركة في ظل التعددية مع شركائها بصورة قانونية. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تدعو دوماً للحوار والتعاون البنّاء تضع على رأس أولوياتها تمتين الروابط مع الأصدقاء وخاصة على مستوى المنطقة ودول الجوار في آسيا.
إن إيران تعتبر أن تعزيز مناخ التفاهم والحوار في السياسة الخارجية تمثّل الأرضية للتعرف على القواسم المشتركة، وتعزيز الاحترام المتبادل والتغلب على الإختلافات في وجهات النظر. وهي تولي أهمية خاصة بالعلاقات وتبادل كبار الوفود مع الدول المتحالفة بما فيها الصين، حيث ترى إيران إن مثل هذه الزيارات ستؤدي إلى المزيد من التعاون المتبادل بين الطرفين، كما سترسخ الاحترام المتبادل ومتابعة تأمين المصالح المشتركة بحزم وعزيمة، وبالتالي تعزيز التعاون الثنائي الشامل على المستوى البعيد.
عملت إيران والصين في السنوات الأخيرة لتنمية العلاقات الثنائية والتفاهم المتبادل، وإن هذا التفاهم الثنائي كثّف جهود البلدين من أجل تركيز التعاون على تأجيل المصالح المشتركة.
إن المثال الواضح على هذا التفاهم هو القفزة الكبيرة التي طرأت في مجال الزيارات المتبادلة والمحادثات الثنائية على أرفع المستويات في ظل الحكومة الثالثة عشرة بين البلدين. فمنذ بداية الحكومة الثالثة عشرة، فان رئيسا البلدين التقيا ثلاث مرات حتى الآن سواء حضورياً أو هاتفياً، حيث تحاورا حول الإطار الشامل للعلاقات الثنائية ورسم خارطة طريق بهذا الشأن. وخلال هذه الفترة أيضاً، تحاورت شخصياً مع نظيري الصيني 14 مرة سواء كان حضورياً أو عبر الفضاء الإفتراضي أو الهاتفي حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، حيث تبادلنا وجهات النظر وسبل تنفيذ برنامج التعاون الشامل لـ25 عاماً.
إن وزارة الخارجية هي المسؤولة عن الإشراف على خطة الـ 25 عاماً؛ لكن بسبب القيود التي كانت مفروضة على السفر للصين جراء جائحة كورونا، فان دور الخارجية قد تضاعف من أجل التقدم والتعاون المتعدد الأغراض بما فيه الدبلوماسية الاقتصادية مع الصين. ولحسن الحظ، فان الزيارة الحالية إلى الصين ستؤدي إلى التوقيع على الاتفاقيات الاقتصادية، ونحن سعداء لإزالة القيود بسبب جائحة كورونا، وبالتالي ستتسارع وتيرة تبادل الوفود الحكومية والخاصة لتعود إلى حالتها السابقة والتعويض على التأخير الذي حدث بسبب الجائحة.
إن البلدين ومن خلال تعزيز العلاقات عبر المشاركة الشاملة والاستراتيجية في ظل مشروع التعاون الشامل لمدة 25 عاماً، تمكنا من قطع خطوة كبيرة في تعزيز التعاون العملي والعلاقات الثنائية على المستوى البعيد والدائم بغض النظر عن الظروف الدولية المتغيرة.
إن البلدين لديهما العزيمة الراسخة للحفاظ وتنمية العلاقات الثنائية وتقويتها بدون أية قيود. هذه الرغبة والإصرار والعزم الراسخ من قبل الصين لتمتين الصداقة والعلاقات الاستراتيجية مع إيران ومواصلة التعاون القريب على المستوى الثنائي ومتعدد الجوانب.
يمثل العام 2021 الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والصين وتمثل نقطة عطف في العلاقات الثنائية. وإن برنامج التعاون الشامل قد تم توقيعه في هذا العام وبدأ العمل بتنفيذه وقد ترك هذا البرنامج أثراً إيجابياً على النمو البارز للتجارة بين البلدين في هذا العام مقارنة بالعام الذي سبقه.
ومن المؤمل أنه على ضوء الطاقات الهائلة التي يتمتع بها البلدان وتنفيذ الاتفاقيات الثنائية خلال زيارة رئيس الجمهورية المحترم في المجالات الثقافية والسياسية والعلمية والتقنية والترانزيت والتجارة والزراعة والجمارك، فان التعاون الاقتصادي بين إيران والصين سيكون سلساً من خلال نقل التجارب والتكنولوجيا والتجارة الثنائية. كما سنشهد قفزة في تصدير المنتجات غير النفطية إلى الصين والتي ستترك أثراً ايجابياً على الاقتصاد الإيراني بما فيها زيادة الإنتاج الوطني وخلق فرص عمل جديدة.
إن إيران والصين بصفتهما بلدين مستقلين يتبنيان وجهات نظر مشتركة تجاه الأحداث الدولية، يملكان أرضيات متنوعة في مجال التعاون والدعم المتبادل. إن البلدين يعارضان مبدأ الأحادية ومحاولات التدخل في شؤون الدول المستقلة بذريعة الدفاع عن المفاهيم الشمولية. البلدان يؤكدان بأنه لا يحق لأي بلد احتكار حقوق التنمية والتمتع بالعلوم والتكنولوجيا، وأنه لا يمكن من خلال فرض العقوبات وفرض قوانينه الداخلية على الدول الأخرى، من أجل وضع العراقيل أمام تقدم الشعوب.
إن الطرفين لا يعترفان بالعقوبات غير القانونية والأحادية وأطماع بعض اللاعبين على الصعيد الدولي. إن البلدين يقفان بقوة للمحافظة على التعاون الثنائي وتطويره. كما أن البلدين يملكان نظرة مشتركة، وهي: في عالم اليوم المترابط، لا يمكن ضمان السلام والتنمية والأمن لبلد ما على حساب الآخرين. كما أن البلدين يؤكدان على تعزيز التقارب في إطار التدابير المتعددة الجوانب والنقاط المشتركة واحترام التباين بين الطرفين من أجل صيانة الاستقرار والسلام والتفاهم والتبادل.
واستناداً لهذه النظرة المشتركة، فقد تم تعزيز التعاون الإيراني – الصيني في المنظمات والترتيبات الدولية والإقليمية، حيث إن الصين دعمت إيران للانضمام لمنظمة تعاون شنغهاي كعضو دائم، كما تنظر الصين بنظرة ايجابية نحو زيادة أعضاء منظمة “بريكس” ودعمها لانضمام إيران.
وفي إطار المنظمات التخصصية في الأمم المتحدة، فان دعم البلدين لبعضهما البعض لا تزال مستمرة وحتى أصبحت أقوى من السابق، حيث إن التعاون بين البلدين في المنظمات الدولية أدى إلى الحيلولة دون فرض قرارات أحادية الجانب أو قرارات تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية، وأصبح العالم يدرك أن هناك حاجة إلى ترتيبات جديدة تدعم مبدأ التعددية وتعتمد على واقع اليوم وتتناسب مع حاجة الأعضاء في المجتمع الدولي.
إن البلدين يعملان على ايجاد تحول كيفي في العلاقات الدولية من أجل معالجة العيوب والنواقص الموجودة في النظام العالمي وتأمين المصالح الجامعة للدول من خلال إشراكها في تحقيق أهداف التنمية وصيانة السلام والأمن الدوليين.
إن إيران والصين يؤكدان على تنمية وتعزيز الروابط الثنائية في مختلف المجالات التجارية والسياسية والثقافية والعلاقات العامة، كما يؤكدون على تطوير علاقات التعاون الثنائي التي لن تؤثر على أي طرف ثالث، وإنما تسعى إلى توفير الأرضية لتعزيز التقارب الإقليمي وتأمين مصالح الدول الأخرى.
وعلى ضوء اهتمام البلدين بالمحافظة وتنمية العلاقات الثنائية على المدى البعيد، فانهما يؤكدان دوماً على أن علاقاتهما مع دول أخرى لن تؤثر بالسلب على روابطهما الاستراتيجية. وعلى الرغم من وجود معارضين على المستوى الدولي للعلاقات بين إيران والصين، فان هؤلاء المعارضين يحاولون إثارة قضايا “الخوف من إيران” أو “الخوف من الصين” لتأليب الرأي العام العالمي ضدهما؛ لكن طهران وبكين يفرضان رؤيتيهما التي تستند إلى الواقع، وهي أن إيران والصين دولتان تدعوان إلى السلام وتعزيز التعاون والتقارب في محيطهما الإقليمي وهما يتابعان ذلك بقوة.
إن البلدين، وبالإضافة إلى مواجهة اللاعبين الخارجيين عن المنطقة لإثارة الأجواء ضد هذين البلدين في غرب وشرق آسيا، فانهما يعتبران هذه المحاولات هي في إطار إحياء الحرب الباردة والتحالفات غير البنّاءة والمسببة للتوتر، والتي يجب محاربتها من خلال تدابير وتحالفات جديدة.
لدى البلدين نظرات مشتركة حول التحديات الدولية، ولذلك يؤكدان على ضرورة اتخاذ قرار جماعي لمواجهة هذه التحديات مثل المناخ واحترام القوانين الدولية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية لحل هذه التحديات ومعالجتها.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعرب عن تقديرها للموقف البنّاء والإيجابي للصين في مباحثات إزالة العقوبات، وتؤكد إيران بأنه يمكن التوصل إلى اتفاق في حال اتخذت الأطراف الغربية نهجاً واقعياً. وبإمكان الصين تذكير الدول الغربية بإلتزاماتها من أجل العودة إلى الطريق الصحيح والواقعي.
لقد تم خلال هذه الزيارة، التوقيع على 20 وثيقة، التي ستتبين نتائجها في مختلف المجالات. في المجال الاقتصادي وعلى ضوء الاقتصاد المتكامل بين إيران والسوق الصينية، فهناك طاقات كبيرة لتعزيز التعاون في القطاعات التجارية والترانزيت والطاقة الأحفورية والمتجددة والاستثمارات والإنتاج المشترك.
هذه الطاقات بالإضافة إلى القطاعات الأخرى، ستؤدي إلى تمتين علاقات الصداقة بين الشعبين صاحبي الحضارتين العريقتين في آسيا. هذه القطاعات الأخرى تشمل التكنولوجيا والعلوم والتعليم والرياضة والسياحة والثقافة، وبالإمكان تحقيق ذلك جميعاً لتصبح أنموذجاً مزدهراً وخالداً للتعاون بين البلدين غداة بدء النصف الثاني من قرن تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين.
إن الزيارة الناجحة لرئيس الجمهورية المحترم إلى الصين والآفاق المستقبلية التي خططها رئيسا البلدين المحترمين للتعاون الثنائي، تعد بتقوية المشاركة الجامعة والاستراتيجية لتنفيذ برنامج التعاون الشامل لـ 25 سنة في إطار مصالح الشعبين.
حسين أمير عبداللهيان/ وزير الخارجية الإيرانية