كسرت موجة الصواريخ الإيرانية التي سقطت على عدد من المدن الإسرائيلية، متجهة نحو أهداف عسكرية للعدوّ، سلسلة «المكاسب» التي حقّقها هذا العدوّ في الشهر المنصرم، وأعادت الأمور إلى نصابها، حتى بدت إسرائيل أقرب إلى حجمها الأصغر بكثير ممّا تحاول أن تبدو عليه. وعلى رغم استنفار حلفاء العدو، بقيادة الولايات المتحدة وشركائها الغربيين والعرب، والذين هم من تولّى التقاط وبث الإشارات على أن طهران ستهاجم خلال ساعات، فإن الناس في كل أنحاء العالم شاهدوا على الهواء مباشرة الصواريخ وهي تتساقط على أهدافها في كيان العدو، وهي ثلاث قواعد جوية في محيط تل أبيب، بما حرم العدو من فرصة إنكار سقوط الصواريخ، على رغم أنه فرض تعتيماً كاملاً على الخسائر البشرية والمادية، حين طلب جيش العدو من السكان عدم تناقل أي مشاهد لآثار الهجمات.وحمل الرد الإيراني على العدوّ الذي أُطلق عليه اسم عملية «الوعد الصادق 2»، وقال الحرس الثوري أن 90% من الصواريخ التي بلغ عددها نحو 200 أصابت أهدافها. وقال إن رسالة الردّ الأولى هي وفاء طهران بالانتقام لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الشهيد اسماعيل هنية، الذي قتله العدوّ في طهران نهاية تموز الماضي، وهو ما أكده بيان الحرس الثوري الإيراني بقوله إن وابل الصواريخ الذي جرى إطلاقه يأتي رداً على «استشهاد هنية والسيّد حسن نصر الله وعباس نيلفورشيان». أما الرسالة الثانية، فهي أن إيران موحّدة على هذا الرد، إذ بينما واكب المرشد علي الخامنئي انطلاق الصواريخ بأن كتب في منشور على «إكس» «نصر من الله وفتح قريب»، حذّر الرئيس، مسعود بزشكيان، إسرائيل، قائلاً في منشور مماثل إن «هذا فقط جزء من قدراتنا، فلا تدخلوا في مواجهة مع إيران»، مضيفاً أن «بلاده لا تسعى إلى الحرب، ولكنها ستردّ على أيّ تهديد»، وذلك في ما يناقض الصورة التي حاول الأعداء عكسها من خلال التقليل من احتمالات الردّ أولاً، ومن ثم نسب الامتناع عن الرد إلى خلافات داخلية إيرانية.

وفي إزالة لالتباس آخر، كان قد رافق الهجوم الإيراني على العدوّ في نيسان الماضي، أكدت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أن طهران لم تبلغ الولايات المتحدة قبل الهجوم على إسرائيل. أما إسرائيل التي بدت كمن أُسقط في يده، في مواجهة لحظة الحقيقة، حين هرع ملايين المستوطنين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية إلى الملاجئ، فحاولت أيضاً بمساعدة أميركية التقليل من الأضرار السياسية البالغة للهجوم الإيراني، في حين طمست الخسائر البشرية والمادية تماماً، ومن ثم التهديد بالانتقام خلال ساعات عبر ضربات جوية ضد أعدائها في أنحاء الشرق الأوسط، لكن جيشها عاد وأعلن في وقت لاحق «إننا سنختار وقتاً مناسباً كي نثبت قدراتنا الهجومية الدقيقة والمباغتة». 

ولم يكن الرد الأميركي أقل ارتباكاً من ذلك الإسرائيلي، ففي حين اهتم البنتاغون بإنقاذ سمعة صواريخ الاعتراض الأميركية التي أُطلقت من مدمّرتين تابعتين له، وفشلت كما يبدو في اعتراض الصواريخ على رغم المسافة الطويلة، والتوقّع المسبق، حاول البيت الأبيض الذي كان سيّده، جو بايدن، قد أمر جيشه بمساعدة إسرائيل في «الدفاع عن نفسها»، التقليل من نتائج الهجوم الإٍيراني، فقد وصف الرئيس الأميركي الهجوم بأنه «غير فعال»، في ما بدا تمهيداً لمحاولة دفع العدو إلى عدم الرد، لكن الإدارة الأميركية قالت إنه «ستكون هناك عواقب وخيمة لهذا الهجوم»، رافضة الخوض في طبيعتها، ومؤكدة أن «ثمة أموراً سيجري تنسيقها مع نظرائنا الإسرائيليين». 

وفي المقابل، باركت فصائل مقاومة فلسطينية وحركات في محور المقاومة الهجوم. ووصفته حركة «حماس» بـ«المُشرّف»، مشددة في بيان على أنه «رسالة قوية للعدو الصهيوني وحكومته الفاشية، على طريق ردعهم وكبح جماح إرهابهم». وأكد الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة أن «الردّ الإيراني الذي طاول كامل جغرافيا فلسطين المحتلة وجّه ضربة قوية للاحتلال المجرم». لكن رد الفعل الفلسطيني الأهم جاء من الفلسطينيين المتعطشين للانتصار في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ لم يسبق أن عاش سكان قطاع غزة منذ بداية الحرب فرحاً مثل الذي عاشوه في ليلة الصواريخ، حيث صعد الآلاف من المواطنين إلى سطوح المنازل ومراكز الإيواء لمشاهدة الصواريخ وهي تسقط على أهدافها. وشهدت الشوارع حالة من الهيجان على وقع هتاف «لبيك يا نصر الله» و«إيران» و«مشان الله... إيران يلّا»، قبل أن تشرع المساجد والمآذن ببث تكبيرات العيد، في وسط مخيم جباليا. وفي الضفة الغربية، نشر المئات من النشطاء والأهالي عشرات المقاطع المصورة، لحمم من الصواريخ وهي تنفجر في عمق المستوطنات والمطارات، وسط هتافات وفرح. وفي صنعاء، اعتبر رئيس «المجلس السياسي الأعلى» الحاكم، مهدي المشاط، أن «هذه العملية مشروعة للدفاع عن النفس وتأديب الكيان المجرم»، وحذّر «الأميركي من اللعب بالنار، فجرائم العدوّ الإسرائيلي لا يجب أن تمرّ من دون رد وعقاب»، مجدداً تأكيد وقوف صنعاء «مع الجمهورية الإسلامية في ردّها على العدو الإسرائيلي».

المصدر: جريدة الاخبار